|
شهرُ ديسمبرَ رائعْ... |
شهرُ ديسمبرَ في لندنَ ، هذا العامَ ، رائعْ |
فبِهِ هاجَمَني الحُبُّ .. |
وألقاني جريحاً كمصابيح الشَوَارعْ.. |
هذه فاطمةٌ تلبسُ بَنْطَالاً من الجلد نبيذيَّاً.. |
وتُوصيني بأَنْ أُمْسِكَها من يدِها كي لا أضيعْ |
وهي تدري جيِّداً.. |
أنَّني من يوم ميلادي ، ببحر الحُبِّ ضَائعْ |
فلماذا في (هارودزِ) نَسِيَتْني؟ |
ولماذا غضِبَتْ منّي .. لماذا أَغْضَبَتْني؟ |
وهي تدري أنَّني من دُونها.. |
لا أَقْطَعُ الشارعَ وحدي.. |
لا ولا أدخُلُ في المعطفِ وحدي.. |
لا ولا أشرَبُ فنجاناً من القهوة وحدي.. |
لا ولا أعرف أن أرجعَ للفُنْدُق وحدي.. |
فلماذا في (هارودزٍ) صَلَبَتْني؟ |
فوق أكداس هداياها .. لماذا صَلَبَتْني؟ |
وهي تدري أنني أعبُدُها |
من رأسِها حتّى الأصابعْ.. |
شهرُ ديسمبرَ رائعْ. |
2 |
شهرُ ديسمبرَ ، يبقى مَلِكاً بين الشُهُورْ |
فهو أعطاني مفاتيحَ السماواتِ.. |
وأعطاني مفاتيحَ العُصُورْ.. |
ورماني كوكباً مُشْتَعِلاً |
حول نَهْدَيْكِ يدُورْ.. |
سَقَطَتْ في لندنٍ ، كلُّ التواريخِ، |
وغَابَتْ تحت جفنَيْكِ جبالٌ وبُحُورْ.. |
شهرُ ديسمبرَ ، ألغاكِ .. وألغاني.. |
فنحنُ الآنَ ضوءٌ غيرُ مرئيٍّ.. |
وعطرٌ .. وبَخُورْ.. |
شهرُ ديسمبرَ .. مجنونٌ تَعلَّمْتِ به. |
أن تَثُوري.. |
وتعلَّمتُ به كيف أثُورْ.. |
شهرُ ديسمبرَ .. |
ألغى عُقْدَةَ الحُبِّ التي نحملُها |
فإذا بي مثلَ عُصْفُورٍ طليقٍ.. |
وإذا بكِ ، يا فاطمةٌ ، |
دونَ جُذُورْ.. |
3 |
لندنٌ .. باردةٌ جدّاً.. |
فيا فاطمةٌ.. |
إفْتَحي فوقي مِظَلاَّتِ الحَنَانْ |
لندنٌ قاسيةٌ جدّاً.. |
وإنِّي خائفٌ جدّاً.. |
فرُدّي لي شعوري بالأمَانْ |
خَبِّئيني تحت قفطانِكِ ، يا فاطمةٌ |
مثلَ طفلٍ.. |
فلقد ضيَّعتُ أبعادي، وأبعادَ المكانْ |
حاولي أن تُصْبحي أُمِّي .. كما أنتِ الحبيبَهْ |
من زمانٍ .. لم أضَعْ رأسي على صدرٍ حَنُونٍ.. |
مِنْ زمانْ... |
4 |
لندنٌ حُبِّي.. |
وفي بارْكَاتِها غَنَّيْتُ أحلى أُغْنِياتي |
لندنٌ مَجْدي.. |
ففيها قد تَغَرْغَرْتُ بأُولى كَلِماتي.. |
لندنٌ حُزْني.. |
على كلِّ رصيفٍ دمْعةٌ من دَمَعَاتي |
لندنٌ عاصمةُ القلبِ.. |
وفيها قد تلاقيتُ بسِتِّ المَلِكَاتِ.. |
لندنٌ، |
تعرفُ وجهي جيّداً.. |
فأنا جُزْءٌ من اللون الرَمَاديِّ.. |
ومن أعْمِدَة النُورِ.. |
وأضْوَاءِ الميادينِ.. |
وصَوْتِ القُبَّراتِ.. |
منذُ أنْ جئتُ إليها عاشقاً |
أصبحتْ لندنُ إحدى المُعْجزاتِ.. |
لندنٌ .. تأخذني كالطفل في أحضانِها.. |
وطَوَالَ الليل، تتلو من كتاب الذكرياتِ.. |
لندنٌ صاحبةُ الفَضْلِ .. فقد |
علَّمَتْني العِشْقَ في كُلِّ اللُغَاتِ... |
5 |
هذه فاطمةٌ.. |
تقتحمُ التاريخَ من كُلِّ الجِهَاتِ.. |
إنَّها تدخُلُ كالإبْرَةِ.. |
في كلِّ تفاصيل حياتي.. |
آهِ .. كم تعجبني فاطمةٌ.. |
عندما تجلسُ كالقِطَّةِ بين المُفْرَدَاتِ.. |
تأكُلُ الفَتْحَةَ .. والضَمَّةَ .. في شِعْري.. |
وتَبْتَلُّ بأمطار دَوَاتي.. |
مُبْحِرٌ في زَمَن الكُحْل.. |
ولا أدري لأينْ؟ |
مُبْحِرٌ فيكِ .. ولا أدري لأينْ؟ |
يا صباحَ الخير.. يا عُصْفُورتي |
أنا في أحسن حالاتي.. |
فما أطيبَ القهوةَ في قُرْبكِ.. |
ما أرْشَقَ هاتَيْنِ اليَدَيْنْ.. |
ثم ما أروعَ أن يكتشفَ الإنسانُ |
في ذاتِ صباحٍ لندنيٍّ.. |
في مكانٍ ما.. على ظهر الحبيبَهْ... |
شامَتَينْ... |
لم تكونا، عندما جئتِ مساءَ البارحَهْ.. |
مولودتْينْ... |
فاتركيني.. أضفُرُ الشَعْرَ الذي |
طالَ في لندنَ، من فَرْط حناني، بُوصَتَيْنْ.. |
واتركيني.. |
أُمْسكُ الشمسَ التي تغطُسُ بين الشفَتَينْ.. |
أتركيني ، أوقفُ التاريخَ يا فاطمةٌ |
لحظةً .. أو لحظتَينْ.. |
أخذُوا كلَّ عناويني.. ولم يبقَ أمامي |
غيرُ هذا الشارعِ الضَيِّقِ بين الناهِدَينْ... |
7 |
لندنٌ تُمْطرني ثلجاً .. وأبقى باشتهائي بَدَويَّا.. |
لندنٌ تمنحني كلَّ الثقافات .. وأَبقى بجنوني عربيَّا.. |
لندنٌ تُمطرني عقلاً .. وأبقى فوضويَّا.. |
لندنٌ تجهل حتى الآنَ .. من أنتِ لديَّا |
آهِ .. يا سَنْجابةَ الليل التي تدخُلُ في الأعماقِ |
رُمْحاً وَثَنيَّا... |
إنَّ تاريخَكِ قَبْلي كان تاريخاً غبيَّا |
إنَّ عَصْري قَبْلَ أن يُرْسِلَكِ اللهُ إليَّا |
كان عصراً حجريَّا.. |
فاشْرَبي شيئاً من الخمر معي.. |
إشْرَبي شيئاً من الحُلْم معي.. |
إشْرَبي شيئاً من الوَهْم معي.. |
إشْرَبي شيئاً من الفَوْضَى معي.. |
إشْرَبي حتَّى تصيري امرأةً.. |
واتْرُكي الباقي عليَّا.. |
شهرُ ديسمبرَ يأتي |
لابساً معطفَ شاعرْ |
شهرُ ديسمبرَ يُهديني دموعاً .. وشُمُوعاً .. ودَفَاترْ.. |
هذه فاطمةٌ تلبسُ كيمُونو من الصينِ.. |
مُوَشَّى بالأزَاهرْ.. |
شايُ بَعْدَ الظهر مِنْ بين يَدَيْها |
مهرجاناتٌ من اللون.. |
ومُوسيقى أساورْ.. |
لم تكُنْ فاطمةٌ مُشْرِقةَ الوجهِ |
كما كانتْ (بمارلُو).. |
لم تكُنْ صافيةَ العين كما كانتْ (بمارلو).. |
لم تكنْ معتزَّةَ النهدَيْن مِنْ قَبْلُ.. |
كما كانتْ (بمارلو).. |
لم تكن ملفوفة الخَصْرِ.. |
كما كانتْ (بمارلُو).. |
إنّني آمنتُ أنَّ الحُبَّ ساحرْ.. |
9 |
هذه فاطمةٌ.. |
تغسلُ نَهْدَيها النُحاسِيَّينِ بالماء.. كطائرْ |
وأنا في الغرفة الخضراءِ أسْتَلقي سعيداً |
تحت أشجار الكاكاوُ.. |
وهُتافاتِ المرايا والستائرْ.. |
فاشْرَبي شيئاً من الشِعْر معي.. |
فأنا _ دونَكِ يا سيّدتي_ لستُ بشاعرْ |
إشربي حتى تصيري امرأةً.. |
إن حُبِّي لك مَجْنُونٌ .. ومَلْعُونٌ.. |
وَوَحْشِيُّ الأظافرْ.. |
وَرَق الأشجار في (مارلُو).. |
نحاسيٌّ .. وورديٌّ .. وأصفَرْ.. |
ولقائي بكِ في الريف البريطانيِّ |
حُلْمٌ لا يُفسَّرْ.. |
والعصافيرُ ترى ثغرَكِ في أحلامها |
وردةً .. أو نجمةً .. أو قُرْصَ سُكَّرْ |
وأنا معتقلٌ ما بين نهديْكِ .. |
ولا أطلبُ – يا سيّدتي- أن أتحرَّرْ.. |
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو).. |
ليتَني أقدرُ أن أغرقَ في فَرْوكِ أكثَرْ... |
ليتَني أقدرُ أن أبقى.. |
بهذا الفندق الضائعِ بين الغيم أكثَرْ. |
ليتَني أقدرُ أن أدخلَ في جِلْدكِ.. |
في شَعْرِكِ.. |
في صوتكِ أكثَرْ.. |
آهِ .. يا أيَّتُها الأنثى التي لا تتكرَّرْ |
هل عشقتُ امرأةً قَبْلَكِ.. يا فاطمةٌ؟ |
إنَّني لا أتذكَّرْ.. |
هل سأهوى امرأةً بَعْدَكِ .. يا فاطمةٌ |
إنَّني لا أتصوَّرْ.. |
11 |
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو) الساحِرَهْ |
علِّميني .. كيف تُلغى الذَاكِرَهْ |
هل سألقاكِ (بمارلُو)؟. |
بعد عامٍ ، ربَّما ، أو بعد شَهْرِ.. |
فتنامينَ على أعشاب صدري.. |
وتُفيقينَ على أعشاب صدري.. |
قبل (مارلُو) ليس لي عمرٌ .. فأنتِ الآن عُمْري.. |
بعدَ (مارلُو) سيقولُ الناسُ: |
ما أجملَ عينيكِ .. وما أعظمَ شِعْري.. |
لم أُشاهِدْ ليلةَ القَدْر.. فهلْ |
أنتِ ، يا فاطمةٌ ، ليلةُ قَدْري؟؟ |
12 |
أرْجِعيني مرةً أخرى إلى (مارلو).. |
ففيها عِشْتُ عصري الذَهَبيَّا.. |
لم يرَ الريفُ البريطانيُّ من قبلكِ |
عَيْنَيْنِ تَقُولانِ كلاماً عربيَّا.. |
قبلَ أن ألقاكِ في فندق (مارلو) |
كنتُ إنساناً.. |
وأصبحتُ نبيَّا |
أَرْجِعي لي غرفتي في ملتقى النهرِ، |
وأحلامي.. |
ورُكْني الشاعريَّا.. |
قبل (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا |
بعدَ (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا |
إنَّ عيْنَيْكِ هُمَا ما كَتَبَ اللهُ عليَّا |
فاتركيني نائماً بينهما.. |
واقْفِلي البابَ عليَّا.. |