[size=32]الحمد لله الذي شرح صدورنا بلمعة من شرائع الإسلام ، كافية في بيان الخطاب ، ونور قلوبنا من لوامع دروس الأحكام بما فيه تذكرة وذكرى لأولي الألباب ، والصلاة والسلام على من أرسل لتحرير قواعد الدين ، وتهذيب مدارك الصواب محمد الكامل في مقام الفخار ، الجامع من سرائر الاستبصار للعجب العجاب . وبعد وفقني الله واياكم الى مرضاته ايها الكرام نواصل بعون الله الحديث عن القيم في الاسلام وبيان انواع العدل وبالله التوفيق
2 / أنواع العدل :
يمكن تقسيمه إلى أنواع باعتبارات مختلفة ، منها :
أ - تقسيم العدل باعتبار زمانه ومكانه :
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
1/ عدل في الدنيا : وهو يشمل الحياة البشرية كلها ، منذ أن خلق الله آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ومعلوم أن رسل الله وأنبياءه ، موزعون على الأزمان والأجيال بالتعاقب ، ليقيموا العدل بين الناس ، إذ الناس يختلفون ويختصمون ، ويؤثر فيهم الهوى والشهوة ، فيقع الظلم بينهم ، فجاء الأنبياء بالعدل لرفع ذلك الظلم ، ومنع ضرره ، ولولاهم ، لفسدت حياة الناس وخربت عليهم الديار . وفي قصة ابني آدم - عليه السلام وهما قابيل وهابيل - التي خلّد ذكرها القرآن ما يعطي صورة واضحة على خطورة الظلم وضرره ، حيث إنه أول معصية أودت بحياة إنسان على وجه الأرض ، ويؤكد على ضرورة العدل ، كي تعيش البشرية في أمن وسلام واستقرار . وهذا العدل الدنيوي عدل تبين لأنه يقوم على حسب وسع البشر في تطبيقهم لمقتضيات العدل الإلهي المثبت في أحكامه وشرائعه .
2/ عدل في الآخرة : وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة ، إذ قد يفلت الظالم في الدنيا من سلطة الحكم العادل ، الذي يرد عليه ظلمه ، ويؤاخذه بذنبه ، كما أن من التزم العدل في الدنيا ، يتشوق إلى الأجر العظيم ، الذي أعده الله له يوم القيامة مقابل التزامه وصبره وتحمله . وفي هذا وذاك ، يقول الله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } وهذا هو العدل المطلق لأن الذي يتولى القيام به هو الله تعالى الذي لا يعزب عنه مثقال حبة أو ذرة في السماوات ولا في الأرض .
ب - تقسيم العدل باعتبار عمومه وشموله :
والعدل بهذا الاعتبار يعمّ الإنسان والحيوان وسائر الكائنات . أما شموله للإنسان فتدّل عليه أدلة كثيرة ، منها قوله تعالى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والخطاب للعقلاء ، فكل عاقل مطالب بإقامة العدل في حياته ، مع نفسه وغيره ، حتى لو كان الغير عدوّه وخصمه لأن سلطان العدل ، ليس له حدود ، فهو يتجاوز حدود الدين والعقيدة ، ويتجاوز حدود القرابة والنّسب ، ويتجاوز حدود الأرض أو الوطن ، فمن كان له حق لآخر ، فلا يظلمه ، بحجة أنه يختلف معه في الدّين أو النسب ، أو الوطن ، بل الواجب عليه أن يعطيه حقه لإنسانيته ، إذ العدل حق يشترك فيه جميع الناس .
وأما شموله للحيوان ، فلأن الإنسان مأمور بعدم ظلمه وإيذائه ، سواء كان بحبس أو تجويع أو تحميل له فوق طاقته أو غير ذلك ، وقد دخلت امرأة النار في هرة ، حبستها من غير أن تطعمها أو تخلي سبيلها فتأكل من حشاش الأرض ودخل رجل الجنة في كلبٍ وجده يلهث ويأكل التراب من شدة العطش ، فنزل في البئر ، فملأ خفّه ماء ، فسقاه ، فشكر الله له ، وأدخله الجنة فالحيوان وإن كان لا يستطيع هو بنفسه أن يحقق العدل في حياته - لعدم تكليفه حيث لا يعقل الخطاب عن المكلف - إلا أن الذين يعيشون معه مطالبون بالعدل معه ، والكف عن أذيته .
وأما شمول العدل لسائر الكائنات ، فهو ما نراه ونلحظه في حركة الكائنات التي تسبح في الأرض ، أو التي تسبح في الفضاء ، فإنها تتحرك حركة عادلة ، فمنها ما يلاحظ عدله في الحركة بين السرعة والبطء ، كالليل والنّهار ، والشمس والقمر ، والنجوم والكواكب ، لهذا قال الله تعالى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } ، { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }{ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } ومنها ما يكون عدله مركوزًا في حركته بين الزيادة والنقصان ، كالماء واليابسة ، فإن الماء لو طغى على اليابسة ، لهلك كل شيء يقطن اليابسة ، كما أنه لو نقص ، لهلك كل كائن يعيش في الماء . ومن الكائنات ما عدله ملاحظ في طبيعته وتكوينه البيولوجي والكيمائي ، كالحيوانات التي تدبّ على الأرض وما من شيء في الكون ، إلاّ وقد رُكّز "العدل" في نظام حياته ، مما فيه الحياة أو نظام حركته ، مما لا حياة فيه ، ولكنه يسير ويتحرك .
ج - تقسيم العدل باعتبار تعلقه بالإنسان :
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
- عدل فردي : وهو ما كان مظهرًا للتوازن النفسي لدى الفرد ، وذلك أن تناسب قوى المرء الثلاث - العقل والغضب والشهوة - أمر راجع إلى الإنسان نفسه ، إما لذاته ، نتيجة تأملاته وأفكاره الفردية ، وإما بتأثير غيره ، عن طريق العلم والمعرفة والإدراك مثال ذلك : عدل الإنسان في نفسه ، بأن يعدل في جسده وروحه ، وعقله وفكره ، وأخذه وعطائه ، وعمله ونشاطه ، ونحو ذلك من الأمور التي تخص الفرد في هذه الحياة .
عدل جماعي : وهو ما روعي فيه حقوق الآخرين ، وما يجب نحوهم من احترام وتقدير أي أن الإنسان يعتدل في أخذ ما له من حقوق ، وأداء ما عليه من واجبات . مثال ذلك : عدل الإنسان في بيعه وشرائه ، وفي حكمه وقضائه ، وشهادته وأمانته ، ومنعه وعطائه ، وغير ذلك من المظاهر الاجتماعية الكثيرة ، التي يجري فيها العدل بين الفرد وغيره . فالحاكم الأعلى أو الرّئيس - وهو إنسان فرد - يجب عليه إزاء الجماعة أن يتبع قواعد العدل في توليتها ، وذلك بإسناد الأعمال إلى أهلها من ذوي الكفاءة والخبرة . والقاضي يجب أن يراعي العدل بين الخصمين ، بإعطاء كل ذي حق حقه ، وإلزام من عليه الحق أن يدفعه لمستحقه .
والزوج كذلك عليه أن يعامل زوجته أو زوجاته بالعدل ، ويعطي كل واحدة منهن حقها المشروع ، من النفقة والسكن ، والمبيت والركوب ، والطعام واللباس ونحوه . والأب مطالب بالعدل بين أبنائه ، في التربية والتعليم ، والصحة ، والمنع والعطاء ، وألاّ يفضل أحدًا على آخر إلاّ بحقّه وقد ثبت كل ذلك بنصوص صريحة ومباشرة قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } وقال صلى الله عليه وسلم : « اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم » وقال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } والى غد ان شاء الله سناتي على ذكر ثمرة العدل وتطبيقه في الاسلام [/size]
[
center]