بقوة ِ العلمِ تقوى شوكة ُ الأممِ | فَالْحُكْمُ في الدَّهْرِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَلَمِ |
كمْ بينَ ما تلفظُ الأسيافُ منْ علقٍ | وَبَيْنَ مَا تَنْفُثُ الأَقْلامُ مِنْ حِكَمِ |
لَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمُ | بِقَطْرَة ٍ مِنْ مِدَادٍ، لاَ بِسَفْكِ دَمِ |
فاعكفْ على َ العلمِ ، تبلغْ شأوَ منزلة ٍ | في الفضلِ محفوفة ٍ بالعزَّ وَ الكرمِ |
فليسَ يجنى ثمارَ الفوزِ يانعة ً | منْ جنة ِ العلمِ إلاَّ صادقُ الهممِ |
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسَاعِي مَا يَبِينُ بِهِ | سَبْقُ الرِّجَالِ، تَسَاوَى النَّاسُ في الْقِيَمِ |
وَلِلْفَتَى مُهْلَة ٌ فِي الدَّهْرِ، إِنْ ذَهَبَتْ | أَوْقَاتُهَا عَبَثاً، لَمْ يَخْلُ مِنْ نَدَمِ |
لَوْلاَ مُدَاوَلَة ُ الأَفْكَارِ مَا ظَهَرَتْ | خَزَائِنُ الأَرْضِ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْعَلَمِ |
كمْ أمة ٍ درستْ أشباحها ، وَ سرتْ | أرواحها بيننا في عالمِ الكلمِ |
فَانْظُرْ إِلَى الْهَرَمَيْنِ الْمَاثِلَيْنِ تَجِدْ | غَرَائِباً لاَ تَرَاهَا النَّفْسُ فِي الْحُلُمِ |
صرحانِ ، ما دارتِ الأفلاكُ منذُ جرتْ | على نظيرهما في الشكلِ والعظمِ |
تَضَمَّنَا حِكَماً بَادَتْ مَصَادِرُهَا | لَكِنَّهَا بَقِيَتْ نَقْشاً عَلَى رَضَمِ |
قومٌ طوتهمْ يدُ الأيامِ ؛ فاتقرضوا | وَ ذكرهمُ لمْ يزلْ حياً على القدمِ |
فكمْ بها صور كادتْ تخاطبنا | جهراً بغيرِ لسانٍ ناطقٍ وَ فمِ |
تَتْلُو لِـ«هِرْمِسَ» آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى | فَضْلٍ عَمِيمٍ، وَمَجْدٍ بَاذِخِ الْقَدَمِ |
آياتُ فخرٍ ، تجلى نورها ؛ فغدتْ | مَذْكُورَة ً بِلِسَانِ الْعُرْبِ وَالْعَجَمِ |
وَ لاحَ بينهما " بلهيبُ " متجهاً | للشرقِ ، يلحظ مجرى النيلِ من أممِ |
كَأَنَّهُ رَابِضٌ لِلْوَثْبِ، مُنْتَظِرٌ | فريسة ً ؛ فهوَ يرعاها ، وَ لمْ ينمِ |
رمزٌ يدلُّ على أنَّ العلومَ إذا | عَمَّتْ بِمِصْرَ نَزَتْ مِنْ وَهْدَة ِ الْعَدَمِ |
فَاسْتَيْقِظُوا يَا بَني الأَوْطَانِ، وانْتَصِبُوا | للعلمِ ؛ فهوَ مدارُ العدلِ في الأممِ |
وَلاَ تَظُنُّوا نَمَاءَ الْمَالِ، وَانْتَسِبُوا | فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَا يَحْوِيهِ ذُو نَسَمِ |
فَرُبَّ ذِي ثَرْوَة ٍ بِالْجَهْلِ مُحْتَقَرٍ | وَ ربَّ ذي خلة ٍ بالعلمِ محترمِ |
شيدوا المدارسَ ؛ فهي الغرسُ إنْ بسقتْ | أَفْنَانُهُ أَثْمَرَتْ غَضّاً مِنَ النِّعَمِ |
مَغْنَى عُلُومٍ، تَرَى الأَبْنَاءَ عَاكِفَة ً | عَلَى الدُّرُوسِ بِهِ، كَالطَّيْرِ في الْحَرَمِ |
مِنْ كُلِّ كَهْلِ الْحِجَا في سِنِّ عَاشِرَة ٍ | يَكَادُ مَنْطِقُهُ يَنْهَلُّ بِالْحِكَمِ |
كأنها فلكٌ لاحتْ بهِ شهبٌ | تُغْنِي بِرَوْنَقِهَا عَنْ أَنَجُمِ الظُّلَمِ |
يَجْنُونَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ زَهْرَة ً عَبِقَتْ | بنفحة ٍ تبعثُ الأرواحَ في الرممِ |
فَكَمْ تَرَى بَيْنَهُمْ مِنْ شَاعِرٍ لَسِنٍ | أَوْ كَاتِبٍ فَطِنٍ، أَوْ حَاسِبٍ فَهِمِ |
وَ نابغٍ نالَ منْ علمِ الحقوقِ بها | مَزِيَّة ً أَلْبَسَتْهُ خِلْعَة َ الْحَكَمِ |
وَلُجِّ هَنْدَسَة ٍ تَجْرِي بِحِكْمَتِهِ | جَدَاوِلُ الْمَاءِ في هَالٍ مِنَ الأَكُمِ |
بَلْ، كَمْ خَطِيبٍ شَفَى نَفْساً بِمَوْعِظَة ٍ | وَ كمْ طبيبٍ شفى جسماً منَ السقمِ |
مُؤَدَّبُونَ بآدَابِ الْمُلُوكِ، فَلاَ | تَلْقَى بِهِمْ غَيْرَ عَالِي الْقَدْرِ مُحْتَشِمِ |
قَوْمٌ بِهِمْ تَصْلُحُ الدُّنْيَا إِذَا فَسَدَتْ | وَيَفْرُقُ الْعَدْلُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْغَنَمِ |
وَ كيفَ يثبتُ ركنُ العدلِ في بلدٍ | لَمْ يَنْتَصِبْ بَيْنَهَا لِلْعِلْمِ مِنْ عَلَمِ؟ |
ما صورَ اللهُ للأبدانِ أفئدة ً | إِلاَّ لِيَرْفَعَ أَهْلَ الْجِدِّ وَالْفَهَمِ |
وَأَسْعَدُ النَّاسِ مَنْ أَفْضَى إِلَى أَمَدٍ | في الفضلِ ، وَ امتازَ بالعالي منَ الشيمِ |
لَوْلاَ الْفَضِيلَة ُ لَمْ يَخْلُدْ لِذِي أَدَبٍ | ذِكْرٌ عَلَى الدَّهْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَدَمِ |
فلينظرِ المرءُ فيما قدمتْ يده | قَبْلَ الْمَعَادِ، فَإِنَّ الْعُمْرَ لَمْ يَدُمِ |