مقال شيخ الازهر 1

خطاب أوباما.. وحقوق المرأة "الحلقة الأخيرة"
الإسلام أتاح للنساء الاستقلال والمساواة والكرامة
بقلم فضيلة الإمام الأكبر
محمد سيد طنطاوي
شيخ الازهر

نستكمل اليوم ما بدأناه في الأسابيع السابقة من تحليل مضمون خطاب الرئيس أوباما من جامعة القاهرة والذي خاطب به العالم الإسلامي فنقول في الحلقة الاخيرة إن الله سبحانه وتعالي قال:
"من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها. ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن. فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب" "سورة غافر: الآية 40".
خامسا: المساواة في طلب العلم سواء أكان علما دينيا. أم طبيا. أم هندسيا. أم زراعيا. أم اقتصاديا أم غير ذلك من العلوم التي من شأنها أن تهدي الإنسان إلي الحق. وإلي الخير. وإلي نشر الأمان والرخاء والإخاء الإنساني.
العلم بهذه المعاني المتنوعة. هو نور يقذفه الله ــ سبحانه ــ في قلب من يحبه من عباده سواء أكان رجلا أم أمرأة.
والرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ كما كان يعلم الرجال. كان يعلم النساء. وكما كان يجيب علي أسئلة الرجال. كان يجيب ايضا علي اسئلة النساء.
ونحن في الأزهر في مراحل التعليم الابتدائي. والإعدادي. والثانوي. والجامعي. يبلع عدد الفتيات قريبا من عدد الذكور في تلك المراحل العلمية.. وفي مصر الآن وزيرات. وعضوات في مجلسي الشعب والشوري. وقاضيات. وسفيرات وعضوات في هيئة التدريس الجامعي. وطبيبات. ومهندسات....
وفي كثير من الحالات نجد أن عدد الفتيات المتفوقات. عددهن أكثر من عدد الذكور.. وإن الذين يفرقون في التعليم بين الرجال والنساء. فيقولون: نعلم الذكور ولا نعلم الإناث. هم قوم يجهلون أحكام الإسلام...
سادسا: المساواة في استقلال شخصية المرأة
كما أن شريعة الإسلام قد أباحت للإنسان البالغ العاقل. حق التملك. وأن يتصرف فيما يملكه بالطريقة التي تتفق مع الأحكام الشرعية.
فالأمر كذلك بالنسبة للمرأة. فقد أباحت لها شريعة الاسلام حق التملك. وأن تتصرف فيما تملكه بكل وجه من وجوه التصرف التي أحلها الله ــ عز وجل ــ بكامل حريتها واستقلالها ساوت شريعة الإسلام بين الرجل والمرأة في حق التملك عن طريق التوارث. بدليل قوله ــ تعالي ــ "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون. وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" "سورة النساء: الآية 7".
ساوت شريعة الاسلام بين الرجل والمرأة. في حق اختيار شريك حياتها بكل حرية واقتناع. وقد منعت شريعة الاسلام إكراه المرأة علي الزواج ممن لا رغبة لها فيه. وقررت ان الزواج الذي يأتي عن طريق القهر والاجبار لا يكون صحيحا. وأن من حق المرأة التي أكرهت علي ذلك ان تطالب بفسخ هذا الزواج.
والخلاصة ان شريعة الإسلام جعلت للمرأة حرية التصرف فيما تملكه بالطريقة التي أحلها الله. ولا يحق لأحد أن يتصرف فيما تملكه إلا بإذنها ورضاها...
وأن الإسلام قد سوي بينها وبين الرجل. فيما يسمي بالشئون المدنية. والتصرفات المالية. كالبيع. والشراء. والهبة. والإجارة. والوكالة. وغير ذلك في جميع التصرفات التي أحلها الله تعالي.
سابعا: ساوت شريعة الإسلام بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية. فكرامة الرجل من كرامة المرأة. وكرامة المرأة من كرامة الرجل.
وهذه الكرامة الإنسانية قد منحها الله ــ تعالي للإنسان كإنسان سواء أكان رجلا أم امرأة وصدق الله إذ يقول: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر. ورزقناهم من الطيبات. وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" "سورة الإسراء: الآية 70".
وكرم الله ــ عز وجل ــ الرجل والمرأة في إجابة دعائهم فقال: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض..." "سورة آل عمران: الآية 195".
هذا جانب من وجوه المساواة بين الرجل والمرأة...
إلا أن هذه المساواة ليس معناها ان الرجل والمرأة متحدان في كل شيء. فالرجل رجل. والمرأة امرأة. ولكل منهما خصائص اختصه الله بها حتي يعمر هذا الكون. ولو أن النساء بقين لمدة مائة عام لا يلدن إلا الذكور فقط أو إلا الإناث فقط. لانقرض الجنس البشري. ومن رحمة الله ــ تعالي ــ بعباده أنه ــ سبحانه ــ قد أوجد من جميع مخلوقاته الذكر والانثي قال ــ تعالي: "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" "سورة الذاريات: الآية 49".
أي: ومن كل شيء من أجناس المخلوقات. خلقنا نوعين مختلفين ـ ذكر وأنثي ــ لكي تتذكروا قدرة الله ــ عز وجل.
وقد أشار القرآن الكريم إلي هذا التمايز بين الرجال والنساء. ونهي عن أن يتمني كل فريق منهما ان يكون له ما للفريق الآخر. فقال ــ سبحانه: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من فضله.." "سورة النساء: الآية 32".
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها. أن السيدة أم سلمة ــ رضي الله عنها ــ سألت النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ فقال: يغزو الرجال دون النساء. ولنا نصف الميراث فنزلت هذه الآية.
والمتدبر للقرآن يراه يوضح أن من خصائص الإناث. أنهن ينشأن منذ الصغر علي محبة الزينة. ويرغبن في الابتعاد عن الجدال والقتال والصراع...
قال ــ تعالي: "أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين" "سورة الزخرف: الآية 18" وللمرحوم الأستاذ الكبير عباس العقاد. كلام حسن في كتابة "المرأة في القرآن" فهو يقول: "ليس من العدل أو من المصلحة أن يتساوي الرجال والنساء في جميع الاعتبارات. مع التفاوت بينهم في الخصائص...."
وقد أشار الرئيس "أوباما" في خطابه إلي هذا المعني إشارة خفيفة فقال: "أنا لا أعتقد أن علي المرأة أن تسلك ذات الطريق الذي يختاره الرجل لكي تحقق المساواة معه...".
والخلاصة ان هناك مساواة بين الرجال والنساء في كثير من الأمور. إلا أن هذا لا يمنع من أن هناك خصائص لكل منهما اختص الله ــ تعالي ــ بها أحدهما دون غيره....
ثم يختتم الرئيس "أوباما" خطابه القيم بقوله: وأخيرا أريد أن أتحدث عن التنمية الاقتصادية فقال ما خلاصته:
باستطاعة التجارة أن تأتي بثروات وفرص جديدة. ولكنها في ذات الوقت تحدث في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة...
ولكن أعلم ـ أيضا ــ أن التقدم البشري لا يمكن إنكاره... إذ تمكنت اليابان وكوريا الجنوبية من احداث تنمية اقتصادية ضخمة لأنظمتها.. وينطبق ذلك علي التقدم الباهر الذي شاهده العالم الإسلامي من "ماليزيا" إلي "دبي"...
لقد اثبتت المجتمعات الإسلامية قديما وحديثا قدرتها علي أن تتبوأ مركز الطليعة في الابتكار والتعليم.. لا يمكن ان تعتمد التنمية علي الثروات المستخرجة من تحت الأرض.. لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط. وبدأت بعض هذه الدول الآن بالتركيز علي قدر أعرض من التنمية. وعلينا أن ندرك أن التعليم والابتكار سيكونان مفتاحا للثروة في القرن الحادي والعشرين..
فيما يتعلق بالتعليم سوف نتوسع في برامج التبادل. ونرفع من عدد المنح الدراسية في المجتمعات الإسلامية.. وفيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال للشراكة مع نظرائهم في المجتمعات الإسلامية.. وفيما يتعلق بالتكنولوجيا سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التطور التكنولوجي في المجتمعات الإسلامية يجب انجاز هذه الأمور عن طريق الشراكة بين الامريكيين والمجتمعات الاسلامية من اجل حياة أفضل..
من أجل عالم أفضل خال من تهديد المتطرفين.. عالم ينعم فيه الفلسطينيون والاسرائيليون بالأمان في دولة لكل منهم.
عالم تستخدم فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية. عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلي ديارها.. عالم تعمل فيه الحكومات علي خدمة المواطنين. عالم تحظي فيه حقوق البشر بالاحترام..
هذه هي مصالحنا المشتركة. وهذا هو العالم الذي نسعي من أجله. والسبيل الوحيد لتحقيق هذا العالم هو العمل معا.. ثم ختم الرئيس "باراك أوباما" خطابه القيم بعبارات عاطفية رقيقة قال فيها:..
إن الفترة الزمنية التي نعيش فيها جميعا مع بعضنا البعض في هذا العالم هي فترة قصيرة... وإن خوض الحروب أسهل من إنهائها.. وإن توجيه اللوم للآخرين أسهل من أن ننظر إلي ما يدور في أعماقنا. كما أن ملاحظة الجوانب التي نختلف فيها مع الآخرين. أسهل من العثور علي الجوانب المشتركة بيننا... ومع ذلك ينبغي علينا ان نختار الطريق السليم. وألا نكتفي باختيار الطريق الأسهل..

يتبع

دائــمــأ مـتـمـيـز بـمـواضـيـعـك الـرائـعـة

سـلـمـت يـداك عـلـى هـذا الـمـوضـوع الـرائـع

ولا تـحـرمـتنـا مـن جـديـدك الـمـبـهـر

تـقـبـل مـرورى فـى صـفـحـاتك الـرائـعـة

» مقال لشيخ الازهر2
» نشر أخبار أو مقال في مجلات و مواقع إخبارية
» مساجد لها تاريخ 1-الجامع الازهر القاهره
» شاهد حداءة ( مقال الوحي يضحد كل قول وإن قال العظام العالمون )
» شيخ الازهر والمفتى يؤيدان تأجيل الحج والعمره