أما بعد، هذا رد على قصة وأد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لابنته.. إليكم ما ورد في ذلك.
البداية يمكننا تأكيد عدم ثبوت القصة التي تروى حول وأد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته في الجاهلية؛ وذلك للأسباب الآتية:
1- عدم ورودها في كتب السنة والحديث أو كتب الآثار والتاريخ، ولا يعرف من مصادرها إلا ما يكذبه الرافضة الحاقدون من غير دليل ولا حجة.
2- إذا كان وأد البنات منتشرًا في بني عدي، فكيف ولدت حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما له في الجاهلية قبل البعثة بخمس سنوات، ولم يئدها؟!، لا شك أن ذلك دليلٌ على أن وأد البنات لم يكن من عادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية. (انظر ترجمة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها في "الإصابة" للحافظ ابن حجر (7/582)).
3- وقد وقفنا على ما يشير إلى عدم وقوع الوأد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو ما يرويه النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: وسئل عن قوله: (﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (
﴾ التكوير)، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني وأدت ثماني بناتٍ لي في الجاهلية. قال: أعتق عن كل واحدة منها رقبة".
قلت: إني صاحب إبل. قال: "أهدِ إن شئت عن كل واحدةٍ منهن بدنة" (رواه البزار (1/60)، والطبراني في "المعجم الكبير (18/337)"، وقال الهيثمي: "ورجال البزار رجال الصحيح غير حسين بن مهدي الأيلي، وهو ثقة "انتهى" مجمع الزوائد (7/283)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم (3298).
يشير هذا الحديث- وهو من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه- إلى كفارة من وقع منه الوأد في الجاهلية، ولما لم يذكر عمر بن الخطاب عن نفسه ذلك، وإنما رواه من فعل قيس بن عاصم، دلَّ على عدم وقوع الوأد المنسوب إليه رضي الله عنه.
4- ثم على فرض صحة ذلك فأمر الجاهلية مغفور، والإسلام يَجُبُّ ما قبله، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يغفر الشرك وعبادة الأوثان الذي كان عليه كثير من الصحابة في الجاهلية، فكيف بأمر وأد البنات؟!.
يقول الدكتور عبد السلام بن محسن آل عيسى:
"وأما عمر رضي الله عنه فقد ذكر عنه أنه وأد ابنة له في الجاهلية، ولم أجد مَن روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر، ولكني وجدت الأستاذ عباس محمود العقاد أشار إليها في كتابه "عبقرية عمر" ص 221 فقال:
وخلاصتها: أنه رضي الله عنه كان جالسًا مع بعض أصحابه، إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله مَن حضر، فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنمًا من العجوة، فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي، أما بكائي، فلأنه كانت لي ابنة، فأردتُ وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية.
وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة؛ لأن الوأد لم يكن عادةً شائعةً بين العرب، وكذلك لم يُشتهر في بني عدي، ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر، وحفصة أكبر بناته، وهي التي كُني أبو حفص باسمها، وقد وُلدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة..! لماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها.