بأحدي بقاع محافظة الشرقية وتحديدا في القرين تلك المدينة الهادئة وبداية من مدخل المدينة يتأكد لك أن هذا المكان يحتضن بطلا بحق سجل اسمه التاريخ.
شهاده التقدير التي تسلمها من القوات المسلحة
وأصبح جزءا منه فهذا الميدان الرئيسي بالمدينة كتب عليه ميدان البطل محمد العباسي وفوقه صورة للرئيس مبارك وخلفيتها جندي مصري يرفع علم مصر وعلي الحجر أسفل الصورة دون اسم البطل ووصفه وهو أول من رفع علم مصر علي أرض سيناء.
هناك دخلنا المدينة ومن أولها تسأل عن البطل وجدناه علامة معروفة وقادنا إليه واحد من بين كثير تبرعوا بذلك هناك في منزل ريفي طل علينا هذا الرجل الأسمر بلحيته البيضاء ووجهه المبتسم انه محمد محمد عبدالسلام العباسي أو البطل محمد العباسي كما يلقبه الجميع, والذي ولد في فبراير1947 وتم تجنيده في أول يونيه عام1967 أي قبل النكسة بأيام قليلة.
وبوجه متجهم أكد العباسي أن الحرب كانت حرب نكسة وليست هزيمة لعدم التقاء الجندي المصري بالإسرائيلي, ويستطرد العباسي بنبرة ثأرية قائلا أن الدم يغلي في عروقنا للانتقام رغم أن اليهود حاربونا حربا نفسية من خلال محاولاتهم لتدمير الروح المعنوية حيث كانوا يكتبون لنا بالحصو الكبير علي خطهم الحصين ستظل مصر جثة هامدة بخلاف محاولاتهم الاستفزازية بعرض مايملكون من وسائل رفاهية أمامنا.
مما أهلنا لمرحلة جديدة وهي حرب الاستنزاف التي بدأت أول شرارة لها في مارس1968.
وفي يوم الجمعة5 أكتوبر جاء أحد الدعاة من التوجيه المعنوي ليلقي علينا خطبة الجمعة ويحثنا علي القتال ومنزلة الشهيد عند الله, وغزوات الرسول صلي الله عليه وسلم.
ويؤكد لنا أن الروح رخيصة في سبيل الأرض وكل الأجيال القادمة.
وفي عصر ذات اليوم جمع قائد الكتيبة قادة الفصائل والجماعات, وكان تحت مخطط سري جدا, فهناك3 درجات من السرية في الجيش كلمة سري تعني كل من في الجيش يعلمها, أما سري جدا فتعني أن يعلمها القادة والجنود فقط, أما سري للغاية فلا يعلمها إلا القادة.
وجاءت التعليمات أن يوم السبت10 رمضان افطار ووزعت علينا وجبة افطار يوم السبت في الصباح وصدرت الأوامر ان ساعة الصفر الثانية ظهرا, والساعة الثانية وخمس دقائق قذف مدفعية أولي بعدها ينطلق الطيران بقيادة الزعيم محمد حسني مبارك صاحب الضربة الجوية الأولي ثم غلالة قذفة نيران ثانية تعبر المشاه من تحتها وهذا الكلام قيل لنا مساء يوم الجمعة.
وفي صباح السبت صرفت وجبة الافطار بالفعل وجرت عملية تمويه لليهود حيث كان كل منا مشغولا بعمل شخصي يؤديه, فمنا من يغسل ملابسه ومنا من جلس يكتب وصيته لأهله, وبعضنا يلعب الكرة, وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا شد كل منا الشدة الثقيلة واستعددنا للحرب ناظرين الي عقارب الساعة التي لا تدور فكانت بالنسبة لنا تسير وئيدة وجميعنا متلهف للأخذ بالثأر ولننال إحدي الحسنيين إما الشهادة أو النصر, وجاءت ساعة الصفر وضربت الدبابة البرج الإسرائيلي, وكنا نعمل مصاطب وهي عبارة عن مطالع علي شكل حرفV مقلوب لنرفع الدبابة عليه حتي تري الهدف خلف خط بارليف لتضرب وتنزل وانطلق الطيران بزعامة الرئيس محمد حسني مبارك, وتم تدمير حصون العدو الخلفية, وقمنا بعبور القناة.. وهنا انهمرت الدموع من عين العباسي وكأن يوم النصر يعيد نفسه, وقال لي بعزة الأبطال انتصرنا.. وأضاف علي لسانه انه يشهد الله أنه رأي كلمة الله أكبر مكتوبة وواضحة في سماء القناة, فقد كانت هي صيحة النصر للأبطال, وهنا أقشعر بدني ودمعت عيناي فقد عبرنا, وعبر العباسي مع زملائه قناة السويس في دقائق معدودات حتي وصلوا الي الدشمة الحصينة منتظرين أن يفتح المهندسون لهم ثغرة للمشاة في الأسلاك الشائكة والألغام, وكان العمل غاية في الصعوبة لاستمرار قذف النيران, ولكني لم أنتظر ونزعت السمكي, وبدأت أجس الأرض لأني مدرب علي سلاح المهندسين حتي صعدت قمة الدشمة وكان زملائي من حولي وأحطنا الدشمة ودمرناها والمشاهد تتفاوت فمنا من يرقص طربا لصيحات النصر, ومنا من يحمل تراب سيناء في جيبه هدية وذكري لأبنائه, ومن ينتظره, وهنا انتزعت العلم الإسرائيلي ومزقته ورفعت العلم المصري ليرفرف فوق أرضه ويعود لمكانه الطبيعي بين أبناء الوطن في الساعة الثانية والربع تقريبا أي بعد ربع ساعة من بدء الاقتحام.. لم أتمالك دموعي فرحة بتاريخ صنعه آباؤنا بأيديهم.
وأشار البطل الي فخذه الأيسر الذي اصيب بدفعة نيران ولكنه تمسك بالعلم لتعود سيناء إلينا.
** وهنا انتهت كلماته لنفيق من ذاكرة النصر لأري مايقرب من عشرين شخصا وهم معظم من في المنزل علي اختلاف أعمارهم كانوا ينظرون وينصتون لتاريخ لم يعيشوه من أفواه صانعيه بشغف واهتمام منتظرين المزيد من قصص الجد والأب البطولية التي يحكيها عن زملائه.
[
center]
