ونجئ قهرا للحياة |
الناس ترحل مثلما تأتي |
ويبقى السر شيئا لا نراه |
لم أدر كيف أتيت من زمن بعيد |
يوما سمعت أبي يقول بأنني |
قد جئت في يوم سعيد |
أمي تقول بأنني |
أشرقت عند الفجر كالصبح الوليد |
تاريخ ميلادي يقول بأنني |
قد جئت في لقيا الشتاء مع الربيع |
لكنني ما عدت أذكر هل ترى |
قد عشت حقا في الربيع؟ |
* * * |
من ألف عام |
والزمان على مدينتنا صقيع |
نهر الدموع يطارد الأحياء |
يهرب بعضنا.. |
والبعض يسقط واقفا |
والبعض يمشي في القطيع |
قالوا بأنني قد ولدت |
وفي مدينتنا مجاعة.. |
والناس تشرب من دماء الناس |
إن خلت البطون |
والجوع مقبرة يحاصرها الجنون.. |
ما زالت الأضواء ثكلى |
في شوارعنا الحزينة |
والدرب يسخر بالأماني المستكينة |
* * * |
سنواتي الأولى مضت كصباح عيد |
ما زلت أذكر صوت أمي |
عندما كانت تغني الليل |
تحملني إلى أمل بعيد |
كانت تقول بأن جوف الليل |
يحمل صرخة الصبح الوليد.. |
وغدا سنولد من جديد |
كانت تقول بأن طفل الأرض |
سوف يجئ بالزمن السعيد |
في صدر أمي لاحت الأيام |
بستانا تطوف به الزهور |
في صوتها حزن.. وأحلام وإيمان.. ونور |
* * * |
والعمر يرحل في سكون |
أمي تغني الليل تحملني إلى الأمل البعيد |
وجلست أنتظر الوليد |
العشرة الأولى مضت.. |
فيها رأيت الحزن ينخر |
قلب قريتنا العجوز |
ماتت مزارعها وجف شبابها |
حتى خيوط الشمس |
ذابت خلف أحجار الجبل |
وروافد النهر الجسور تكسرت |
وغدت بقايا من أمل |
* * * |
فتحت عيني ذات يوم في الصباح |
ورأيت ثوب الأرض أشلاء |
تبعثرها الرياح |
وخشيت أصوات الرياح |
كانت تحاصر بيتنا |
ومضت تطارد كلبنا المسكين في ليل الشتاء |
وسمعت دمع الكلب يصرخ في العراء |
ورأيته يوما رفاتا في الطريق |
قد كان أول ما عرفت من الصحاب |
وبكيت في الكلب الوفاء |
والعمر يسرع بين قضبان السنين |
العشرة الأولى مضت |
والصبح حلم لا يجئ.. |
في عامي العشرين صافحت الطريق |
وجلست أشهد حيرة الإنسان في زمن الرقيق |
يوما نباع وتارة |
نغدو سكارى لا نفيق |
ورجعت أبحث عن شعاع |
فرأيت صوت الليل |
يهدر في بقايا من رعاع |
والشمس يخنقها الشعاع |
ووقفت أسأل بعدما رحل الزمان |
ونظرت للأرض التي |
هربت طيور الحب منها.. والحنان |
لا شيء يا أمي سوى الغربان |
تصرخ في مدينتنا وتأكل خبزنا |
والآن يا أماه أحسب ما تبقى في يدي.. |
قد ضاع أكثره وليل الأمس ينخر في غدي |
ونسيت ما غنيت يوما ضاع صوت المنشد |
آمنت بالإنسان عمري في زمان جاحد |
كل الذي ما زلت اذكره من العمر القصير |
أني قضيت العمر في سجن كبير |
* * * |
والعمر يا أماه يرحل في اصفرار |
ما كان لي فيه.. الخيار |
العشرة الأولى تضيع |
عشرون عاما بعدها |
خمس يمزقها الصقيع |
أنا لا أصدق أنني |
أمضي لدرب الأربعين |
الطفل يا أماه يسرع |
نحو درب الأربعين.. |
أتصدقين؟ |
ما أرخص الأعمار |
في سوق السنين |
ما عدت أسمع أغنيات |
كالتي كنا نغنيها.. |
ما زلت أذكر صوتك الحاني |
يغني الليل يستجدي المنى |
أن تمنح الطفل الصغير |
العمر والقلب السعيد |
والعمر يا أمي ضنين |
لكنني ما زلت احلم مثلما يوما |
رأيتك تحلمين |
قد قلت إن الأرض تنزف من سنين |
وبأن صوت الطفل |
بين ضلوعها.. يعلو |
ويحمل فرحة الزمن الحزين |
ما زلت يا أماه أنتظر الوليد |
رغم الضياع ورغم عنواني الطريد |
إني أرى عينيه خلف الليل |
تبتسمان بالزمن السعيد |
والأرض يعلو حملها |
والناس.. تنتظر الوليد.. |
حبيب.. غدر |
تعودت بعدك في كل شيء.. |
فأصبحت عندي.. خيالا عبر |
غريبين كنا.. بهذا القطار |
وفي البعد صرنا.. حكايا سفر.. |
لأني غرستك زهرا وعطرا |
صباحا يضيء.. لكل البشر.. |
لأني عبدتك رغم الخطايا.. |
وعانقت فيك سنين العمر |
وغنيت حبك بين الحيارى |
وسامحت فيك جفاء القدر |
يعز علي.. إذا صرت شيئا |
بقايا وفاء.. وذكرى وتر.. |
فأصبحت في القلب.. كهفا صغيرا |
كتبت عليه.. ((حبيب غدر)) |
تعودت بعدك لا تسأليني |
فقد صرت عندي نبيا.. كفر |