مسار خروج بنى اسرائيل من مصر

من منا لم يخاطب رمال سيناء الصفراء راجيا أن تبوح بأسرارها .تلك الأرض الطاهرة المباركة التى شهدت خطوات الأنبياء والتى دارت عليها أشهر القصص القرآنى قصة موسى وقومه .. تلك القصة بالتحديد التى أثارت شغف الباحثين خصوصا وأن الكثير من فصولها مازال فى قدس أقداس التاريخ ومنها شخصية فرعون موسي الذي صمت القرآن عن اسمه وترك الباحثين فى حيرة من أمرهم ورغم اتهام الكثيرين لرمسيس الثانى بأنه فرعون الخروج ،فإن الكثير من الدلالات تدحض تلك الفرضية .. وقد عمل الباحثون اليهود على محاولة سبر أغوار الأرض السيناوية لإثبات روايات التوراة ولكن دون جدوى ..
لذا فإن المشروع الذي تبناه عالم مصري لمعرفة خط سير خروج بنى إسرائيل من مصر وتحديد أهم المواقع فى مسار الخروج التى ذكرت فى القرآن مشروعا فى غاية الأهمية التاريخية والسياسية والأثرية والسياحية .     

وكما قلنا فقد حاول علماء اليهود اكتشاف طريق خروج سيدنا موسي عليه السلام وذلك اثناء احتلال إسرائيل سيناء  ولكن البعثات الأثرية المختلفة لم تستطع اكتشاف أى شىء سوى جزء من طريق حورس الحربى الطريق الذى كانت تسلكه الجيوش الحربية وهو الطريق نفسه الذي سلكه الإسكندر الأكبر أثناء فتح مصر ومن بعده عمرو بن العاص ثم نابليون بونابرت . كما كان ذلك الطريق مسار التبادل التجارى بين مصر ودول الشرق الأدنى .

كما  حاول الأثاريون المصريون وباحثون من مختلف المجالا ت استكشاف ذلك الطريق منهم مهندس محمد جويلى الذي حدد طريق الخروج بأنه يبدأ من رعمسيس بالشرقية إلى مدينة سكوت الواقعة فى وادى الطميلات وهو واد يمتد من الزقازيق إلى غرب محافظة الإسماعيلية ثم إيتام وهى موقع بالإسماعيلية بين بحيرة التمساح والبحيرات المرة ثم فم الحيروث أمام بعل صفون قرب السويس وهناك عبروا البحر الاحمر إلى مارة بالقرب من عيون موسي ثم انتقل فى صحارى وجبال سيناء بعدما حكم الله عليهم باليته 40 سنة فى سيناء لرفضهم قتال العماليق . 

وهناك كتاب مهم ألفه أندرو كولينز وكريس أو جيلفى بعنوان "توت عنخ آمون مؤامرة الخروج " ذكرا فيه أن هوارد كارتر اكتشف فى مقبرة الملك توت برديات تكشف قصة خروج اليهود فى مصر بما يتناقض مع روايات التوراة وأنه هدد بالكشف عنها إذا لم تقم القنصلية البريطانية بحمايته من التهم الموجهة إليه من السلطات المصرية بأنه استولى على بعض مقتنيات المقبرة .

أما المشروع الجديد فهو عبارة عن رؤية علمية لكشف أسرار عيون موسى والوادى المقدس وجبل الشريعة بسيناء يقدمها الدكتور صفى الدين متولى رئيس قسم الطاقة الجديدة والمتجددة بوحدة الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية – قسم الاستكشاف بمركز بحوث الصحراء وأحد علماء جمعية سينا للعلوم الطبية والتطبيقية والسياحة العلاجية التى ترأسها د. حنان لاشين رؤية علمية لأول مرة للكشف عن عيون موسى الحقيقية والجبل المقدس وتيه بنى إسرائيل بسيناء أربعون عاماً . 

وصرح الدكتور عبد الرحيم ريحان المتحدث الرسمى لجمعية سينا للعلوم الطبية والتطبيقية والسياحة العلاجية وعضو مجلس الإدارة بأن الرؤية العلمية طرحت أسئلة عديدة تدور فى أذهان الجميع وحددت الأطر العلمية والتقنية للإجابة عليها وهى أن عيون موسى التى ذكرت فى القران الكريم 12 عين ومن المفترض أن كل عين ممتدة حتى الصخور النارية فى باطن الأرض ولها نركيب خاص بها مثل عين  زمزم  والموجود الآن أربعة عيون فقط  فأين الثمانية الأخرى؟  وبخصوص الوادى المقدس هل هو وادى الراحة الحالى بمدينة سانت كاترين وماهى دلائل ذلك؟ وهل هناك آثار لرحلة نبى اللة موسى داخل الوادى وهل هناك  اختلاف من حيث البنية التحتية والفوقية لهذا الوادى.

ويضيف د. ريحان بأن الرؤية العلمية ستؤكد دلائل تجلى الله سبحانه وتعالى للجبل وأين كان نبى الله موسى عندما رأى النار وأين كانت النار وكيف أمر سبحانه وتعالى نبى الله موسى بالنظر إلى الجبل وهو واقف عليه؟ وهل نظر إلى أعلى الجبل أم نظر إلى الجزء المقابل؟ أين الجبل الذى تم دكه بأمره سبحانه وتعالى وما معنى الدك وماهى علامات ذلك؟ كما ستحدد موقع تيه بنو إسرائيل أربعون عاماً وخط سيرهم وكيف عاشوا أربعون عاماً بسيناء وما هى دلائل وآثار هذه الحياة وكيف كان طعامهم ومصادر المياه والظروف المناخية؟ وأين بدأت الرحلة هل من وادى الجرف أم وادى فيران أم وادى الشيخ وأين انتهت الرحلة؟ وقبر النبى هارون هل فى حاجة لدراسة استكشافية للمنطقة المحيطة به؟  

وأكد الدكتور صفى الدين متولى بأنه حدد الأطر العلمية للإجابة على هذه الأسئلة تشمل استخدام صور الأقمار الصناعية ذات درجات الوضوح العالى مثل سبوت الفرنسى وكويك  بيرد الامريكى واستخدام قياسات الجاذبية لتحديد نوع الدك على جبل موسى ومؤشرات  تواجد التراكيب الجيولوجية  كدلائل للقوى الربانية التى أثرت على الجبل واستخدام قياسات المغناطيسية لتحديد امتداد عيون موسى وباقى العيون  والقياسات الكهربية ثنائية وثلاثية الأبعاد والقياسات السيزمية الضحلة وقياسات الرادار الأرضى ذات التردد العالى وحدد تكلفة مليار دولار لهذا المشروع ومدة 12 شهر لتنفيذه .

ويؤكد د. عبد الرحيم ريحان أن اكتشاف مسار خروج بنى اسرائيل يمثل قيمة أثرية وسياحية إذ يمثل هذا الطريق قيمة لكل الأديان حيث وردت قصة نبى الله موسى وبنى إسرائيل فى عدة سور بالقرآن الكريم ولقد كرّم الله سبحانه وتعالى جبل الطور وجعله فى منزلة مكة والقدس {والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين} التين 2 ، 3 ، والتين والزيتون ترمز للقدس وطور سينين وهو جبل الطور بسيناء والبلد الأمين هى مكة المكرّمة ، ولهذا الطريق مكانة خاصة فى المسيحية حيث ذكرت الوثائق التاريخية أن المبانى الدينية المسيحية بسيناء كالأديرة والكنائس بنيت فى محطات هذا الطريق تبركاً بهذه الأماكن وخصوصاً أشهر هذه الأماكن وهو دير سانت كاترين أهم الأديرة على مستوى العالم والذى أخذ شهرته من موقعه الفريد فى البقعة الطاهرة التى تجسدت فيها روح التسامح والتلاقى بين الأديان لبنائه فى حضن الشجرة المقدسة (شجرة العليقة) وهو نبات خاص لم يوجد فى أى بقعة بسيناء وفشلت محاولة إنباته فى أى مكان بالعالم ، كما بنى المسلمون مسجداً داخل الدير فى العصر الفاطمى تبركاً بهذا المكان المقدس فتلاقت الأديان فى بقعة واحدة . 

وإختلفت الأراء حول تحديد محطات طريق خروج بنى إسرائيل فى سيناء ولكن هناك بعض الشواهد الباقية حتى الآن تتفق مع ما ذكر فى القرآن الكريم والعهد القديم ومنها منطقة عيون موسى 35كم جنوب شرق السويس والمنطقة الآن بها أربع عيون واضحة ، قطر أحد هذه العيون 4م ولقد اختفت بقية العيون نتيجة تراكم الرمال وتحتاج إلى رفع هذه الرمال للوصول لمستوى الصخر لاكتشاف بقية العيون الإثنى عشرة التى تفجرت لنبى الله موسى وبنى إسرائيل .  

وأثبتت الدراسات الحديثة التى قام بها فيليب مايرسون أن المنطقة من السويس حتى عيون موسى منطقة قاحلة جداً وجافة مما يؤكد أن بنى إسرائيل استبد بهم العطش بعد مرورهم كل هذه المنطقة حتى تفجرت لهم العيون وكان عددها 12 عين بعدد أسباط بنى إسرائيل ، ولقد وصف الرّحالة الذين زاروا سيناء فى القرن 18، 19م هذه العيون ومنهم ريتشارد بوكوك. 

والمحطة الثانية هى منطقة معبد سرابيت الخادم 138كم جنوب شرق السويس الذى مر عليها بنو إسرائيل طبقاً لنص القرآن فى سورة الأعراف آية 138 وهى المنطقة الوحيدة النى تقع فى طريقهم من عيون موسى بها تماثيل حيث طلب بنو إسرائيل من نبى الله موسى أن يجعل لهم إلهاَ من هذه التماثيل وكلمة سرابيت مفردها سربوت وتعنى عند أهل سيناء الصخرة الكبيرة القائمة بذاتها ، أما الخادم فلأن هناك أعمدة بالمعبد تشبه الخدم السود البشرة ولهذا سمى معبد سرابيت الخادم ، وكانت كل حملة تتجه لسيناء لتعدين الفيروز ينقشوا أخبار الحملة على هذه الصخور المنفصلة بالمعبد . 
والمحطة الثالثة هى طور سيناء 280كم جنوب السويس وهى مدينة ساحلية عبدوا فيها العجل الذى صنعه السامرى وكانت هذه المنطقة تشرف على بحر فلقد خاطب سبحانه وتعالى السامرى بأن هذا العجل سيحرق ثم ينسف فى اليم (سورة طه آية 97) .  

والمحطة الرابعة منطقة الجبل المقدس (سانت كاترين حالياً) وهى المنطقة الوحيدة بسيناء التى يتجمع فيها عدة جبال مرتفعة مثل جبل موسى 2242م فوق مستوى سطح البحر وجبل كاترين 2642م وجبل المناجاة ، والمنطقة التى تلقى فيها نبى الله موسى ألواح الشريعة هى منطقة ذو جبال مرتفعة ورغم تعدد الأراء فى تحديد جبل الشريعة لكنها تركزت فى منطقتين منطقة الجبل المقدس ومنطقة وادى فيران  ( 50كم شمال غرب سانت كاترين ) وبها جبل سربال 2070م فوق مستوى سطح البحر الذى رأى البعض أنه جبل الشريعة . 
والمحطة الخامسة هى منطقة حضيروت (عين حضرة) 70كم فى الطريق من سانت كاترين إلى نويبع وهى عين ماء طبيعية مشهورة بسيناء وذكرت فى سفر العدد إصحاح 3 :4 باسم حضيروت ثم اتخذوا الطريق الساحلى الموازى لخليج العقبة حتى وصلوا إلى برية فاران أو باران نسبة إلى وادى باران فى جنوب فلسطين غرب وادى عربة الذى يصل البحر الميت بمدينة العقبة ولرفض بنى إسرائيل دخول الأرض المقدسة حرمت عليهم أربعون عاماً يتيهون فى سيناء متخبطين فى عدة أماكن غير مستقرين فى مكان واحد . ويشير د. ريحان إلى  ان هناك طرق عدة لكيفية استغلال الطريق منها : 

1-  تطوير منطقة عيون موسى بالتعاون بين الآثار والسياحة والمحليات على أن تقوم أولاً هيئة علمية للإستشعار عن بعد بتحديد مواقع العيون الإثنى عشر ثم يتم رفع الرمال حول هذه العيون لكشفها وترميمها وتطويرها ولو تم ذلك لكان أعظم اكتشاف هذا القرن وسيكون له مردود إعلامى عالمى يمكن استغلاله فى جذب استثمارات جديدة بسيناء  .

2- استغلال منطقة سانت كاترين كأهم المحطات بعمل مشروع صوت وضوء فى الوادى المقدس يحكى قصة الخروج وما تمثله من قيمة لكل الأديان .  

3- عمل شبكة تيليفريك لربط الجبال بعضها ببعض ورؤية الوادى المقدس من أعلى للإستمتاع بجمال وجلال هذه المنطقة .  

4- عمل قاعة للمؤتمرات مجهزة لاستضافة مؤتمرات عالمية سياسية وثقافية مستفيدين بقيمة الموقع وشهرته عالمياً . 

من جانبه يؤكد د. علاء شاهين عميد كلية الآثار الأسبق : أن فكرة الخروج اليهودى من مصر فكرة ثيولوجية " عقائدية مرتبطة بما جاء فى التوراة والقرآن عن هذه الرحلة .وهناك تفاصيل متشابهة بين الروايتين إلا أن هناك اختلافا جوهريا فرواية التوراة لم تذكر أى شىء عن التيه الذى حكم به الله على بنى إسرائيل لمخالفتهم شريعته فى حيتن حددها القرآن الكريم بأربعين عاما حتى أننى  أثناء إلقائى محاضرة فى الخارج تطرقت خلالها إلى الرواية القرآنية  عن الخروج فوجئت  بعالم لاهوت أمريكى يخبرنى أنه كان يتعجب ويتسائل لماذا لم يخرج اليهود من سيناء مباشرة الى ارض فلسطين لأن التوراة لم تذكر شيئا عن  فترة التيه  .

أما  الآثار المصرية فهى لم تبح لنا بتفاصيل الصراع بين النبي موسي والفرعون الحاكم ورحلة خروج بنى إسرائيل لأن تلك القصة تتناقض مع فكرة ألوهية الفرعون الملك ..وبالتالى كان لابد من مقارنة آثار الوجود العبري فى فلسطين  لتحديد الفترة الزمنية للوجود العبرى فى مصر  علما بان مصر كانت لها إمبراطورية فرعونية كاملة على جنوب فلسطين حتى منطقة مناجم النحاس فقد خضعت لاشراف مصري كامل حتى بعد خروج اليهود من مصر ..

وعندما تمت المقارنة بين فترة الوجود العبري فى فلسطين وجد انه يقابلها قلة فى الاثار المصرية مما يعنى انه فى تلك الفترة لم تكن الامبراطورية المصرية تمد نفوذها فى تلك لمناطق الفلسطينية ... اما عن الخط المتوقع لرحلة الخروج فيبدأ من خليج السويس عند نقطة عيون موسي حيث حادثة شق البحر وكان من المفترض أن يسلك العبريون الطريق الساحلى الشمالى المعروف بطريق حورس لكن هذا الطريق كان شديد التحصين لذا كان عليهم الاتجاه نحو الطرق الأصعب وهى الجبال الوعرة والتى توجد فى جنوب سيناء وصولا إلى منطقة طابا ثم وادى عربا . 

وقد ظهرت عدة نظريات حول رحلة خروج بنى إسرائيل منها تلك النظرية الغريبة التى تقول إن بحيرة المنزلة هى " يم سوف " الموجودة فى التوراة ونظرية أخرى تشير إلى بحيرة قارون لكن الارجح ان حادث شق اليم حدث فى البحر الاحمر فالمياه فيه عميقة للغاية حتى كان يطلق عليه قديما " بحر الموت " وهو فالق اخدودى  . 

وقد  قامت بعض الحفائر الاسرائيلية أثناء احتلا ل سيناء بالعثور على بعض الاثار العبرية فى سيناء اواخر عصر رمسيس الثانى وأوائل عصر مرنبتاح.


أحد البوبات فى طريق ال صعود لجبل موسى


شجرة العليقة المقدسة داخ ل دير سانت كاترين


البئر المسمى ببئر موسى د اخل دير سانت كاترين