منتديات الانوار
اهلا بك زائرنا العزيز

تشرفنا زيارتك

ويسعدنا ان تكون عضوا معنا او زائرا مستديما
منتديات الانوار
اهلا بك زائرنا العزيز

تشرفنا زيارتك

ويسعدنا ان تكون عضوا معنا او زائرا مستديما
منتديات الانوار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول


مطلوب فريق لاقسام المنتدى




شبكة منتديات الانوار10




السوق التجارى المصرى والعربى ادخل من هنا




 

 الفارابى (المعلم الثانى)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
د علاءمرتضي
موسس المنتدي
د علاءمرتضي


عدد المساهمات : 17998
السٌّمعَة : 40
العمر : 57
الجنس : ذكر

الأوسمة : الفارابى (المعلم الثانى) 11100010


الفارابى (المعلم الثانى) Empty
مُساهمةموضوع: الفارابى (المعلم الثانى)   الفارابى (المعلم الثانى) I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 14, 2011 8:51 am

أبو نصر الفارابي محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ من أكبر رجال الفكر في تاريخ الثقافة الإنسانية عامة والعربية الإسلامية خاصة. وهو صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة والمنطق والموسيقى وغيرها من العلوم والفنون. يقول ابن خلكان: "هو أكبر فلاسفة المسلمين. ولم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه. والرئيس أبو علي بن سينا بكتبه تخرج وبكلامه انتفع في تصانيفه".
ولد حوال سنة 259 هـ (872 م) في مدينة وسيج من منطقة فاراب التي كانت مدينة فاراب قصبتها فنسب إلى المنطقة. ويذكر ابن خلكان أن مدينة فاراب كانت تسمى في عهده أطرار. وقد ذكر أنه ولادته كانت في سنة 260 ولكنا نؤثر سنة 259 لما نعرف في علم السكان أن الأعمار غالباً تقرّب من الأرقام المدورة أي التي تنتهي بالصفر أو الخمسة وهذا التقريب الذي ينتهي بتراكم الأعمار في تلك الأرقام يظهر خاصة في تعدادات السكان الرسمية في العصر الحاضر ويقال لهذه الظاهرة جاذبية الأرقام المدورة.
هذا وحين يرد ذكر فاراب التي تقع في تركستان أو فيما وراء النهر تطالعنا الكثرة الكاثرة من علماء تلك المناطق في شتى الميادين فهم يكادون يتصدرون الحضارة العربية الإٍسلامية. وقد ذكر ياقوت في مادة فاراب بعض العلماء الذين خرجوا من هذه المدينة فعدّ في طليعتهم إسماعيل بن حماد الجوهري مصنف الصَّحاح وهو بين المعجمات أحد أركانها، وخاله أبا إبراهيم اسحاق بن إبراهيم الفارابي صاحب "ديوان الأدب" في اللغة أيضاً كما ذكر أسماء بعض المحدثين والقراء. والعلماء الكُثُر من بقية مناطق تركستان وخوارزم وخراسان أكثر من أن يحيط بهم الحصر.
ويذهب بنا الخيال حين نتحدث عن بعض أولئك العلماء الأعلام إلى الأبطال الفرسان العرب المسلمين الذي حملوا راية الإسلام والسلام والهدى والعلم وانتشروا كالبرق في بقاع المعمورة شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً ليظهروا تلك الرسالة الكريمة كما نتصور المغازي المنظمة والمؤزرة بالنصر التي انطلقت بهم من مراكز مشهورة إلى مختلف الجهات. نحن هنا نذكر المغازي التي فَصَلت من العراق إلى الشمال وإلى الشرق. فكانت الكوفة مركزاً للتي اتجهت نحو الري وأذربيجان، وكانت البصرة مركزاً للتي انطلقت نحو فارس وخراسان. وكانت جميعاً في جهادها تخرج الناس من حنادس الجهل وتحررهم من قيود الطغيان وتصلهم من وراء الدين الجديد برفعة السماء وبالقيم العليا من عدالة ومساواة وتنظيم ومعاملة كريمة بينهم ثم بينهم وبين الآخرين. وكانت أمواج القبائل العربية المرتحلة تنزل في تلك الربوع الجميلة وتستوطنها وتختلط بأهاليها تعاملاً وتزاوجاً لتكوّن فيما بعد أمة واحدة هي الأمة الإسلامية لا تفريق فيها بين الأفراد من جهة النسب والحسب والأصول إلا بالعلم مقروناً بالعمل الصالح لأن العلماء عندهم ورثة الأنبياء.
كان أولئك المجاهدون يتقدمون لا يخشون عقبة من العقبات ولا جبلاً من الجبال ولا وادياً من الأودية ينفقون أموالهم وأرواحهم ويذكرون الآية الكريمة: )ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلاّ كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون( (التوبة 121). ويتبادر للذهن أبيات للشاعر الحميري يزيد بن مفرغ الذي كان بعد تلك المغازي في جيش عبَّاد بن زياد المتجه نحو الهند يصف فيها رمم الأبطال القتلى وأشلاءهم وجماجمهم وسرابيلهم المخضبة بالدماء في ساحات الجهاد وفي فجاج الجبال:
كم بالجروم وأرض الهند من قدم

ومن جماجم قتلى ما هم قبروا
ومن سرابيل أبطال مضرجة

ساروا إلى الحرب ما خاموا ولا ذعروا
بقندهار ومن تُحَتم منيته

بقندهار يرجَّم دونه الخبر

ومهما كان من أمر فإن الفتى الفارابي عكف في مسقط رأسه على دراسة طائفة من العلوم والفلسفة واللغات بالإضافة إلى لغته التركية، فدرس العربية والفارسية واليونانية ثم انتقل به أبوه إلى العراق واستوطن بغداد حيث أتم دراساته العلمية والفلسفية واللغوية ثم انتقل فيها على أبي بشر متى بن يونس من أشهر مترجمي الكتب اليونانية ومن أبرز الباحثين في الفلسفة والمنطق. "وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية ويجتمع في حلقته كل يوم المئون من المشتغلين بالمنطق" كما يقول ابن خلكان. ثم "ارتحل إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن حيلان فأخذ عنه طرفاً من المنطق أيضاً، ثم إنه قفل راجعاً إلى بغداد، وقرأ بها علوم الفلسفة وتناول جميع كتب أرسطاطليس، وتمهَّر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها" كما جاء أيضاً في كتاب "وفيات الأعيان". وكذلك درس في بغداد العلوم العربية على ابن السراج وأتيح له فيها أيضاً إتمام دراساته في الرياضيات والطب والموسيقى ووصل في هذه الميادين خاصة في الفلسفة إلى القمة وإلى درجة من النبوغ عالية، فطبقت شهرته الآفاق. اهتم بفلسفة اليونان ولاسيما كتب أرسطو فشرحها وعلق عليها تعليقات كثيرة بعبارات حسنة وإشارات لطيفة واصطلاحات عربية مناسبة و"تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة" حتى إنه لا يعتبر في رأينا شارحاً بل معقباً ومتمماً فأطلق عليه لقب "المعلم الثاني" كما كان يطلق على أرسطو "المعلم الأول". وليس شيء أدل على تبسيط الفارابي أبي لفلسفة اليونان وإيضاحها مما ذكره ابن سينا في ترجمته هو لنفسه إذ قال: "وانتهيت إلى العلم الإلهي، وقرأت كتب ما بعد الطبيعة. فما كنت أفهم ما فيه، والتبس علي غرض واضعه، حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا المقصود به، وأيست من نفسي وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه.
فحضرت يوماً ـ وقت العصر ـ في الوراقين. فتقدم دلال بيده مجلد ينادي عليه، فعرضه علي، فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة في هذا العلم فقال: اشتره، فصاحبه محتاج إلى ثمنه، وهو رخيص، أبيعكه بثلاثة دراهم، فاشتريته، فإذا هو كتاب أبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة. فرجعت إلى داري، وأسرعت قراءته، فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب، لأنه كان صار لي محفوظاً على ظهر القلب، ففرحت بذلك وتصدقت في اليوم الثاني بشيء كثير على الفقراء، شكراً لله تعالى..."
هذا وأكبر الفضل في توطيد علوم الفلسفة في الحضارة العربية والإسلامية إنما يعود إليه بعد أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي الملقب بفيلسوف العرب. وقد توفي الكندي حوالي عام 260 أي قريباً من تاريخ ميلاد الفارابي كأن جذوة نار الفلسفة التي اشتعلت في تلك الحضارة ينبغي لها بعدئذ ألا تخمد بل أن تشتد وتزداد توقداً. إذ نبغ بعد حين الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا في المشرق ثم نهض بعد حين أيضاً القاضي أبو الوليد ابن رشد في المغرب. هذا في اختصاص الفلسفة الأرسطية المشائية وحدها دون الإشادة بأعلام الفلاسفة والحكماء في المجالات الأخرى كأبي الريحان البيروني وهبة الله أبي البركات البغدادي والغزالي وأمثالهم الكثيرين.
وقد غمرت كتب ابن سينا وابن رشد الفلسفية الباحثين حتى إنها صرفتهم بعض الشيء عن الرجوع إلى الأصول التي تفرعت عنها ألا وهي كتب الفارابي.
أنافت كتب الفارابي التي ألفها على المائة. وقد طبع بعضها. وفي دور الكتب والخزائن العامة والخاصة في المشرق والمغرب طائفة من مخطوطاتها، كما ترجم قسط منها إلى الفارسية والتركية والعبرية واللاتينية والألمانية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية.
ويبدو أن الفارابي وهو الفيلسوف المنقطع إلى الفكر قد ضاق ذرعاً ببغداد على الرغم مما زودَّته به من علوم لجوّها السياسي والعسكري القلق فقد شهد عهد الخلفاء المقتدر والقاهر والراضي والمتقي وكلها عهود مضطربة وهو من طبعه الهدوء والتأمل وحب السلم فخرج منه حوالي عام 330 قاصداً بلاد الشام ولم يغادرها سوى رحلة قصيرة أو رحلتين إلى مصر.
وكان في مقامه بدمشق لا يكون غالباً إلا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض كما ذكر ابن خلكان وكان "كثير الانفراد بنفسه ويلازم غياض السفرجل وربما صنف هناك وقد ينام فتحمل الرياح تلك الأوراق وتنقلها من مكان إلى مكان" كما ذكر الصفدي في الوافي بالوفيات. ويحدثنا ابن خلكان أيضاً عنه فيقول: "وكان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن وأجرى عليه سيف الدولة كل يوم من بيت المال أربعة دراهم وهو الذي اقتصر عليها لقناعته.
ولم يزل على ذلك إلى أن توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (950 م) بدمشق وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه وقد ناهز ثمانين سنة ودفن بظاهر دمشق خارج الباب الصغير".
لا تستطيع هذه العجالة أن تأتي على جوانب أبي نصر المتعددة في شتى العلوم. وإنما نشير هنا إلى كتاب مهم ـ وكل كتبه ذات شأن ـ ألا وهو "إحصاء العلوم" يعده بعض الباحثين على صغر حجمه أول موسوعة وضعت في العلوم أحصى فيه العلوم المشهورة إذ ذاك علماً علماً توخى في عرضها البساطة والسهولة ليقدم فكرة عامة واضحة عن موضوع كل علم ومنفعته نظراً وعملاً. وذلك كله في خمسة فصول:
الأول: علم اللسان وفروعه من نحو وصرف وبيان وشعر وما إلى ذلك.
والثاني: علم المنطق وأجزاؤه,
والثالث: علوم التعاليم أي الرياضيات.
والرابع: العلم الطبيعي والعلم الإلهي.
والخامس: العلوم المدنية أي علم الأخلاق وسياسة المدن وعلم الفقه وعلم الكلام.
وفي رسالته "التنبيه على سبيل السعادة" التي حققها صديقنا الدكتور سحبان خليفات شبه بهذا التقسيم. وقد عالج أبو نصر غالبية هذه الأقسام ولا سيما ما له علاقة بالفلسفة معالجة واسعة. وبحثنا هذا لبيان سعة بحوثه والتنويه بمكانتها، لا لتفصيل عناصرها فذلك شأن آخر.
ومن أشهر كتبه "السياسات المدنية" و"آراء أهل المدينة الفاضلة" وموضوع هذين الكتابين يدخل في الفلسفة والاجتماع. وما يتضمَّنانه من آراء يجعل مؤلفهما في طليعة الصفوة المختارة من أصحاب الفكر الاجتماعي الذين نادوا بإنشاء مجتمع عالمي سليم تتعاون الأمم جميعاً فيه على إحلال السلام وممارسة الفضائل وتحصيل السعادة ليكوّن ما يدعى بالمعمورة الفاضلة. وقد يكون من المناسب أن نتوقف قليلاً عند تفكيره الاجتماعي. لقد قسم الفارابي الاجتماعات الإنسانية أقساماً فمنها الكاملة ومنها غير الكاملة. والكاملة ثلاث عظمى ووسطى وصغرى. فالعظمى اجتماعات الجماعة كلها في المعمورة، والوسطى اجتمع أمة في جزء من المعمورة، والصغرى اجتماع أهل مدينة في جزء من مسكن أمة. وغير الكاملة اجتماع أهل القرية واجتماع أهل المحلة ثم اجتماع في سكة ثم اجتماع في منزل وأصغرها المنزلة.
والخير الأفضل والكمال الأقصى إنما ينال أولاً بالمدينة ثم بالمعمورة لا بالاجتماع الذي أنقص من المدينة. ومن هذا نرى دقة الفارابي وتمييزه صنوفاً مختلفة للاجتماع. ويريد بالكمال استطاعة المجتمعين الاكتفاء بأنفسهم من جهة المعاش والحياة الاقتصادية.
وقد تغيرت الأمور في الوقت الحاضر. ولكننا نجده يتسامى فيتصور اجتماع الأمم كلها اجتماعاً كاملاً ويخرج بهذا التصور الأممي عن عادة اليونان لأن أغلب فلاسفتهم لم يتجاوزوا في ترتيبهم أمورهم الاجتماعية نطاق مدنهم. وربما بعثه على هذا اتجاه الدين الإسلامي.
ونظام المدينة الفاضلة والأمة الفاضلة والمعمورة الفاضلة كنظام البدن التام السليم الصحيح الذي يتعاون أعضاؤه كلها على تتميم حياته وعلى حفظها عليه. ثم يستمر في هذا التشبيه البيولوجي ويشرح به النسق الاجتماعي. ففي البدن القلب وأعضاء تقرب مراتبها من ذلك الرئيس وكل واحد فيها جعلت فيه قوة يفعل بها فعله ابتغاءً لما هو بالطبع غرض ذلك العضو الرئيس وأعضاء أخرى فيها قوى أخرى متمايزة ولكنها متفاوتة ومتضامنةـ كذلك ترتيب المجتمع بحيث يكون الرئيس فيلسوفاً أو نبياً أو جملة من الفلاسفة والحكماء وبحيث يؤدي الإنسان في المجتمع الفاضل عمله أداءً تاماً ويقوم فيه بما يحسن على غرار ما يجري في البدن من انسجام في وظائف أعضائه ونسجه. هذا ومن المناسب أن ننوه بأن اللغة العربية ربطت بين الحكم والحكمة والحكماء والحكام فجعلت هذا الألفاظ كلها من أصل واحد إشارة إلى لزوم الحكمة في إدارة الدولة. كذلك يجدر الإيحاء في تشبيه المجتمع بالبدن إلى ما يسبق به الحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". ولا يخفى أن يترتب على التفصيل في هذا التشبيه قضايا سياسية واجتماعية متعددة تتعلق بنظام الحكم وشكل الرئاسة وحكم النخبة المختارة والتماسك الاجتماعي والطبقات الاجتماعية وأمور التخطيط وكلها يمكن أن تشتق من هذا المذهب العضوي الاجتماعي.
إن الفارابي إلى جانب تفوقه في الفلسفة والتفكير الاجتماعي المثالي ومعرفته بشتى العلوم كالرياضيات والطب وما إلى ذلك كان الوجه المنيف في علم الموسيقى والتأليف فيه إبان الحضارة العربية الإسلامية. وكتاب الموسيقى الكبير الذي ألفه وقد طبع حديثاً بمصر محققاً في سلسلة تراثنا مصدر أساسي للإطلاع على فن الموسيقى وتاريخها وأصول صناعتها والأمور العامة منها وأصناف الألحان والإيقاع ووجوه استخراج النغم من الآلات المشهورة وما إلى ذلك. ويدل الكتاب على مدى تعمق المؤلف في هذه الصناعة. وله كتابان آخران في الموسيقى يذكرهما المترجمون له. وقد ربط الألحان أحياناً بالحالات النفسية.
ويحكى أن الآلة المسماة بالقانون من وضعه وهو أول من ركبها هذا التركيب. وشهرته الموسيقية نسجت حوله الأساطير، منها ما ذكره ابن خلكان في أول لقائه سيف الدولة الحمداني في مدينة حلب. ولا نستطيع أن نملك أنفسنا دون ذكرها. هذا وإّنّ الأساطير إنما تنسج لتوكيد فكرة أو تمثيلها أو توطيد شهرة. قال صاحب الوفيات: ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف، فأدخل عليه وهو بزي الأتراك، وكان ذلك زيه دائماً، فوقف، فقال له سيف الدولة: أقعد، قال: حيث أنا أم حيث أنت؟ فقال: حيث أنت، فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه، وكان على رأس سيف الدولة مماليك، وله معهم لسان خاص يسارهم به قَلَّ أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللسان: إن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني مسائله عن أشياء إن لم يوف بها فاخرقوا به، فقال: له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير، اصبر فإن الأمور بعواقبها، فعجب سيف الدولة منه، وقال له: أتحسن هذا اللسان؟ فقال: نعم أحسن أكثر من سبعين لساناً، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء الحاضرين في المجلس في كل دفن، فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل حتى صمت الكل، وبقي يتكلم وحده، ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، فصرفهم سيف الدولة وخلا به، فقال له: هل لك في أن تأكل؟ فقال: لا، فقال: فهل تشرب؟ فقال: لا، فقال:فهل تسمع؟ فقال: نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل ماهر في هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر وقال له: أخطأت، فقال له سيف الدولة: وهل تحسن في هذه الصنعة شيئاً؟ فقال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة ففتحها وأخرج منها عيداناً وركبَّها، ثم لعب بها، فضحك منها كل من كان في المجلس، ثم فكها وركَّبها تركيباً آخر، ثم ضرب بها فبكى كل من كان في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها، وضرب بها ضرباً آخر فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياماً وخرج.
ويعلق الصفدي في الوافي بالوفيات على هذه الأسطورة فيكتب: "قلت: وهذه الواقعة ممكنة من قبل أبي نصر لأنه إذا غنى السامعين مثلاً بما لابن حجاج من ذلك المجون الحلو في نغم فإن السامع يضحك. وإذا غنى بأشعار متيمي العرب والرقيق من فراقياتهم وحزنياتهم في نغم النوى وما أشبه ذلك فإن السامع يبكي. وكذا حاله إذا أراد أن يشجِّع أو أن يسمِّح أو غير ذلك."
وثمة أسطورة ثانية ذكرها ظهير الدين البيهقي المتوفى 565 هـ في كتابه "تاريخ حكماء الإسلام" وهي رواية أخرى للأسطورة السابقة ولكنها تتعلق بالصاحب إسماعيل بن عباد أشد تعبيراً عن تأثير موسيقى الفارابي في المستمعين. وكذلك نجد أسطورة ثالثة دبَّجها محمد بن إسماعيل شهاب الدين الحجازي المصري الشافعي المتوفى سنة 1274 هـ في كتابة سفينة الملك ونفيسة الفلك تتعلق باختراع الفارابي لآلة العود. إن هذه الروايات نظنها مصطنعة للدلالة على مكانة الفارابي في الموسيقى.
والخلاصة أن الفارابي غرة عن الحضارة العربية الإسلامية وكوكب متألق من كواكبها الكثيرة النيرة الدرية تزهى به وبأمثاله الحضارة الإنسانية كلها بَله الحضارة الإسلامية. وهو فيما سبق إليه من تفكير في تعاون الأمم على إنشاء المعمورة الفاضلة حقيق بأن يخلد اسمه في كل منظمة عالمية ترفع ذلك الشعار وتحلم بتلك الغاية النبيلة وتسعى فيما تستطيع نحو تحقيقها. ولاشك في أن أكبر الأعمال الإنسانية بدأت بالأحلام السليمة العالية.





[
center]



الفارابى (المعلم الثانى) Images?q=tbn:ANd9GcStPC8UBUDMhcRz3wtGerWfUESbCSLHvLCGe4lJ6LntE5l4UASepg
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alanwar10.ahlamontada.net
كرستيلا
عضو ماسي
عضو ماسي
كرستيلا


عدد المساهمات : 520
السٌّمعَة : 0
الجنس : انثى

الأوسمة :

الفارابى (المعلم الثانى) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفارابى (المعلم الثانى)   الفارابى (المعلم الثانى) I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 09, 2012 8:31 am

يعطيك العافية على جممآآل طرحك
ماننحرم من جديد مواضيعك المميزة
بإنتظار جديدك بكل شوق


<br>
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفارابى (المعلم الثانى)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الانوار :: تاريخ وشخصيات :: شخصيات تاريخيه-
انتقل الى: