جريمـة قتل بإيعاز من كائنات غيبية
قد يكون لعدد من جرائم القتل العمد أسباباً غير مفهومة بشكل واضح إذ لا تدخل في نطاق الدوافع المألوفة لإرتكابها كالمال أو المكانة الإجتماعية (حب السلطة أو الحرص على الشرف أو الغيرة ) أو الإنتقام (كالثأر )، كما أنها لا تتصل بالدافع الجنسي المريض كالإغتصاب و السادية، إنها تلك الدوافع التي يرى فيها الأخصائيون مجرد حالات نفسية (إن ثبت تشخيصها) سيطرت على مرتكبي الجرائم فلم يصبحوا سوى ضحاياها (مرضاها) فنفذوا ما تمليه " عقولهم المريضة " ولهذا يتطلب الأمر علاجهم عوضاً عن معاقبتهم أو تنفيذ الأحكام القضائية القاسية بحقهم وفقاً للمنظور النفسي.
في حين يرى آخرون أن " العقل المريض " الذي أمرهم بارتكاب الجرائم ليس إلا " كائنات غيبية " أو ما ورائية سيطرت على عقولهم مستندين في ذلك إلى إعترافات منفذيها أنفسهم ، فهل جاءت إعترافاتهم فعلاً بهدف التملص من المسؤولية في إرتكاب الجريمة أو على الأقل للتخفيف من العقوبة خصوصاً أنها قد تعتبر حجة بيد المحامين الموكلين بالدفاع عن المتهمين للتشكيك في قدرات المتهمين النفسية وبالتالي الحصول على حكم ببراءته أو على الأقل التخفيف من الحكم ؟ وكيف يكون المجرم نفسه ضحية أو أداة لمجرم "غيبي" آخر ؟ ومتى يكون المجرم مسيراً وليس مخيراً لدى ارتكابه الجريمة ؟
جملة من التساؤلات التي ما زالت تثير قضايا جدلية ولن يكون من السهل الإجابة عنها وبدلاً من ذلك سنكتفي فقط بتسليط الضوء هنا على عدد من الجرائم التي زعم مرتكبوها أنها تمت بإيعاز من "كائنات غيبية " وكان من بين ضحاياها قرابين للشيطان :
1- رونالد ديفيو : زعم أنه سمع أصواتاً أمرته بقتل جميع أفراد اسرته
في 14 نوفمبر 1974 تلقت الشرطة مكالمة هاتفية قادتهم إلى مكان إقامة عائلة ديفيو في بلدة أميتفيل من ولاية نيويورك الأمريكية حيث عثروا هناك على 6 جثث من أفراد العائلة تم إطلاق النار عليهم من بندقية من عيار 0.35 وهم نيام ، واعترف ديفيو رونالد (أحد أفراد العائلة نفسها ) بارتكابه الجريمة التي شملت أبوه وأمه وأخويه وأختيه لكنه زعم أنه لم يمكن آنذاك في وعيه وأن أصواتاً كان يسمعها في أذنه كانت تأمره بقتلهم ، حكم القاضي (توماس ستارك) على ( رونالد ديفيو ) بـ 6 أحكام متتالية بالسجن ، مدة كل منها 25 سنة عن كل فرد مقتول ليصبح المجموع 150 سنة .
قضية تثير الشكوك والحيرة
يطرح (ريك أوسونا)في كتابه The Night the DeFeos Died أو "الليلة التي ماتت فيها عائلة ديفيو " الذي نشر عام 2002 تفسيرات بديلة لكنها مثيرة للجدل لمقتل الضحايا الستة حيث عثر عليهم جميعهم مستلقين على بطونهم في مضاجعهم بدون أية دلائل على وجود آثار دفاع عن النفس أو تناولهم لمهدئات من غير علمهم من شأنها أن تقود للتكهن بأن أحداً في المنزل استيقظ على ضجيج الطلقات النارية كما أن الجيران لم يبلغوا عن سماعها .
تحقيقات الشرطة خلصت إلى إستنتاج مفاده أن الضحايا كانوا يغطون في النوم في وقت حدوث الجرائم وأن البندقية لم تكن مزودة بـ كاتم صوت مما حير كلاً من قوات الشرطة والطبيب الشرعي الذين حضروا إلى مسرح الجريمة ، حيث تفاجأوا بالسرعة التي تمت بها تلك الجرائم واتساع عمليات القتل ، مما جعلهم يعيدون النظر في إمكانية قيام أكثر من شخص واحد بعمليات القتل.
- قدم (رونالد ديفيو) خلال فترة مكوثه في السجن عدة إفادات عن كيفية تنفيذ عمليات القتل لكن جميعها كانت غير منسجمة، في مقابلة أجريت معه في عام 1986 ادعى أن والدته كانت مسؤولة عن إطلاق النار ، تلك الإفادة التي اعتبرها المسؤول الحكوني السابق لـمقاطعة (سفولك )أنها "منافية للعقل".
- يقول (ريك أوسونا) في كتابه أنه التقى مع (رونالد ديفيو)في 30 نوفمبر 2000 حيث زعم (رونالد ديفيو) كمحاولة للخروج من اليأس أنه ارتكب جرائم القتل مع شقيقته (داون)واثنين من اصدقائه اللذان لم يكشف عن اسمهما، وادعى أنه بعد خلاف غاضب مع والده ، خطط هو وشقيقته لقتل والديهما ، وأن شقيقته (داون) تخلصت من أختها وأخويها الأطفال لكي لا يكون هناك أي شهود لكنه غضب جداً حينما اكتشف ما فعلته شقيقته فضربها لتقع مغشياً عليها على سريرها ثم أطلق عليها عياراً نارياً في رأسها. وأفادت الشرطة خلال التحقيق الأصلي أنه تم العثور على آثار بارود على ثوب نوم (داون)مما يشير إلى أنها قد استخدمت سلاحاً نارياً . ولكن لم يسير التحقيق على هذا النحو ففي ذلك الوقت لم يكن مساراه مقنعاً بعد الإعترافات التي أدلى بها (ديفيو) ، وباءت بالفشل كافة المحاولات للإتصال بكلا الشريكين المزعومين الباقيين الضالعين بالجرائم، لأن أحدهما مات في يناير 2001 وقيل أن الآخر دخل برنامجاً لحماية الشهود ، كانت علاقة ديفيو الابن مضطربة مع أبيه ، لكن ما زال أمر قتل جميع أفراد العائلة غير واضحة. اقترح الإدعاء في محاكمته أن الدافع وراء القتل هو الحصول على قيمة بواليص التأمين على حياة والديه.
- لاحظ (جو نيكل) أن قصة (رونالد ديفيو)تغيرت على مر السنين ولذلك ينبغي علينا الحذر عندما نتناول أي مزاعم جديدة صادرة عن (رونالد ديفيو)بخصوص وقائع الأحداث ليلة الجريمة، وفي رسالة إلى برنامج اذاعي يقدمه (لو جنتيل) أنكر (رونالد ديفيو) أنه أعطى (ريك أوسونا) أي معلومات استخدمها في كتابه The Night the DeFeos Died.
- في صيف 2010 جرى تحويل كتاب (ريك أوسونا)إلى فيلم دراما وثائقية حملت عنوان Shattered Hopes: The True Story of the Amityville Murders أو "الآمال المحطمة: القصة الحقيقية لجرائم أميتفيل"، كتب وأخرج وأنتج الفيلم ( كاتزنباك ريان ) ويقوم الفيلم بالتحقق من كافة جوانب قضية أميتفيل مع التركيز على الأسرة ديفيو والأحداث التي أحاطت بظروف القتل.
منزل مسكون ؟!
بعد حدوث جرائم القتل بسنة واحد انتقلت عائلة (لوتز)للسكن في نفس منزل عائلة (ديفيو) بعد أن أصبح ملكاً لإدارة الولاية إلا أنها لم تحتمل البقاء فيه لأكثر من 28 يوماً نتيجة لمزاعم عن سماع أصوات غريبة وحدوث أمور غريبة في المنزل، وبالفعل تعاون رب العائلة (جورج لوتز ) لإصدار كتاب عن تجاربه عائلته في هذا المنزل الذي زعم أنه مسكون وكانت قصة الكتاب ملهمة لإنتاج فيلم في عام 2005 حمل اسم رعب أميتفيل Amityville Horror.
رفض لإستئناف الحكم
لا يزال رونالد يصر على راويته بخصوص سماعه لأصوات أمرته بالقتل لحد الآن رغم أنه لا يزال يقضي فترة الحكم مدى الحياة في سجن غرين هافن -بيكمان في نيويورك حيث رفضت كافة الطعون التي قدمها لإستئناف الحكم