من مات وهو تارك لفريضة الكفر بالطاغوت مات مشركا وإن نطق الشهادتين..

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وإمام الموحدين، محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، صلاة أبدية قائمة إلى يوم الدين...


وبعد...

لما كان التوحيد هو السبب الذي من أجله خلق الله الوجود، وخلق الجنة والنار ووضع الموازين القسط، وحدد يوما يقوم الناس فيه لرب العالمين، وكان هو الرسالة التي أمر الله أنبيائه ورسله بتبليغها إلى الثقلين، الجن والإنس عبر مراحل التاريخ المختلفة، فإن معرفة حقيقة التوحيد تظل أول ما يجب على الإنسان أن يعلمه ويفهمه (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ).

ومن عظم شأن التوحيد وجلال قدره وعظيم مكانته، أن جعله الله روح دينه، وجعله فرض عين لا ينعقد إسلام المرء ما لم يؤديه بتمام شروطه، فمن مات وهو تارك لفريضة التوحيد، مات على غير ملة الإسلام، وإن نطق الشهادتين وأدى الفرائض الأربع وجاء يوم القيامة بأعمال صالحة حجمها كالجبال، لقوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) أي، أنهم سجلت لهم أعمال صالحة أتوا بها، ولكن الله أحبطها ونثرها كالرماد في يوم عاصف، لماذا...؟ لأنهم خرجوا من الدنيا وهم تاركي فريضة التوحيد، أي، أنهم خرجوا من الدنيا وهم على غير ملة الإسلام.

وغالبية الناس اليوم ممن ينتسبون إلى دين الإسلام، لا يفهمون أن التوحيد فرض عين، وأنه عبادة عملية تؤدى كما تؤدى الصلاة، وأن له أركان وشروط لا يقبل إسلام المرء دون الإتيان بها، فهم يفهمون الإسلام على أنه مجرد شعور قلبي بوحدانية الله، ونطق بالشهادتين، ثم عبادات وفرائض تؤدى يشكل آلي، يكون الإنسان بعدها من أهل التوحيد، وهذا من تلبيس إبليس عليهم، فإن الله قد حكم بالشرك على أناس شهد لهم بالإيمان، لقوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)، أي، أنهم مع إيمانهم بالله ونطقهم الشهادتين، فإنهم قد أشركوا بعبادته عبادة آلهة أخرى.

ولكن التوحيد لا ينعقد ولا يقبل إسلام المرء ما لم يحقق شروطه الستة ويأت بها بتمامها وكليتها، فإذا سقط شرط واحد منها بطل إسلامه إن كان مسلما بالأصل، ولم يقبل إسلامه إن كان كافرا يريد اعتناق الإسلام. وهذه الشروط الستة كالتالي:

الشرط الأول:
أن يكفر بالطاغوت، أي أن يعتقد بكفره وبأنه عدو لله ولدينه، لقوله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا)، ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)، فعلم أن الكفر بالطاغوت هو بالنسبة للتوحيد كالوضوء بالنسبة للصلاة، فكما أن لا صلاة بغير وضوء، فكذلك لا توحيد دون الكفر بالطاغوت.

والطاغوت هو إسم لكل مخلوق كافر، سواءا أكان جنيا أم آدميا، رئيس دولة، أم فلاحا يعمل في الحقل.

الشرط الثاني:
إذا كان الطاغوت رئيس دولة كافر، فإن اعتقاد المسلم بكفر جنوده فرض عين كالصلاة، وشروط تأدية هذا الفرض أن يتبرأ من كل جندي من جنوده حتى وإن كان ولده، وأن لا يزوجه ولا يتزوج منه ولا يصلي خلفه، وأن يظهر له العداوة والبغضاء لقوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، وإذا هلك لا يترحم عليه، ولا يحضر جنازته لا بتغسيل ولا بصلاة ولا بمشي ولا بدفن ولا بوقوف على حفرته.

وجندي الطاغوت، صفة تنطبق على كل من أمد الطاغوت بأي شكل من أشكال القوة والتمكين والمنعة، سواءا أكانت قوة مادية أم معنوية، وأقلها، هو مجرد أنه لا يعتقد في قلبه بكفره. فكما أنه لا صلاة بغير وضوء، فكذلك لا توحيد دون الكفر بجنود الطاغوت.

الشرط الثالث:
أن يعتقد بكفر دستور الطاغوت وقوانينه وأنظمته، وبكفر كل من يعمل في مؤسساته التي تمده بأسباب القوة والمنعة والتمكين في حربه ضد الله ودينه، إذ أن حكم من يعمل في مؤسسات الطاغوت هو أنه أحد جنوده، وأنه داخل عمليا في حالة حرب ضد الله ودينه، ولا اعتبار لكونه ينطق الشهادتين ويقيم فرائض الإسلام لقوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) فلم يفرق القرآن في الكفر بين فرعون وبين من دونه من وزراء وموظفين وأعوان، فكل جندي من جنود فرعون اعتبره القرآن مساو لفرعون في الكفر. فكما أنه لا صلاة بغير وضوء، فكذلك لا توحيد دون الكفر بمؤسسات الطاغوت وبكفر كل من يعمل فيها.

الشرط الرابع:
أن يحكم بكفر كل من لا يعتقد بكفر مخلوق ثبت كفره، فلو التقى بشخص مسلم على الظاهر، وعرف منه أنه لا يعتقد بكفر الطاغوت، فإن فرض عليه كالصلاة أن يحكم بكفره حتى وإن كان ينطق الشهادتين ويقيم فرائض الإسلام، فإن لم يعتقد بكفره، فإنه معه في الكفر سواء بسواء. فكما أنه لا صلاة بغير وضوء، فكذلك لا توحيد دون الإعتقاد بكفر من لا بكفر بالطاغوت.

الشرط الخامس:
أن يكون الكتاب والسنة وما سار عليه السلف الصالح، وهم الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين ممن عاشوا في القرون الثلاثة الأولى التي امتدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، هي المصادر الوحيدة لدينه وعقائده، وأن يضع تحت نعليه كل ما خالف الكتاب والسنة من أديان شركية تتخذ من الإسلام رداءا لها تستر به وثنيتها وشركها. فكما أن لا صلاة بغير وضوء، فكذلك لا توحيد لمن لم يكن مصدر دينه وعقائده الكتاب والسنة وما سار عليه السلف الصالح.

الشرط السادس:
أن يجعل فريضة التوحيد يشروطها الستة، أول وأهم ما يعلمه أهله، وأول وأهم ما يربي عليه أطفاله منذ نعومة أظفارهم. فمن ترك أولاده دون أن يعلمهم فريضة التوحيد وشروطها فهو كافر مشرك، إذ أن أحد أهم أهداف الطاغوت التي يسعى إلى تحقيقها، هو إنتاج جيل كافر لا يعرف فريضة التوحيد ولا شروطها، وقد أعانه الأب على تحقيق هدفه بأن ترك أولاده ولم يعلمهم فريضة التوحيد وشروطها.

ويجب أن يعلم، أن كل هذه الشروط الستة، هي الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، فكل من قرأها وفهمها، فقد لبسته الحجة، ولا يعود له عذر أمام الله يوم القيامة عندما يأتيه مشركا.


اللهم إني قد بلغت فاشهد...

موضوع مميز

بارك الله فيك

فى انتظار المزيد