كان الشاعر كثير > قصيرا دميما , ولذلك قال عن نفسه :
فان أك معروق العظام فانني *** اذا ما وزنت القوم بالقوم وازن
ودخل الشاعر كثير على عبدالملك بن مروان في أول خلافته فقال : عبدالملك : أنت كثير ؟ فقال : نعم , فاقتحمه ;أي : ازدراه .. وقال : تسمع بالرجل خير من أن تراه ; تسمع بالرجل : أي أنه مشهور , خير من أن تراه : أي أنه قصير ودميم > فقال يا أمير المؤمنين ؟ كل انسان عند محله رحب الفناء .. شامخ البناء .. عالي السناء .. وأنشد يقول :
[font="Arial Narrow"][font="Times New Roman"]كِلابُ الحَيِّ يُطْرِبُهَا الزَّئِيْرُ
وَأُسْدُ الْغَاْبِ مَاْ عَاْدَتْ تَزِيْرُ
أَمَاْ غَارَتْ كِلابُ الحَيِّ فَجْرَاً
وَمَاْ فِيْ الأُسْدِ مِنْ أَحَدٍ يَغِيْرُ؟
أَمَاْ شَمَّتْ كِلابُ الحَيِّ غَدْرَاً
مِنَ الآسَاْدِ فَانْتَفَضَتْ تَثُوْرُ؟
لِذَا ، خَاضَتْ كِلابُ الحَيِّ حَرْبَاً
فَكَاْنَ لَهَاْ مِنَ الأُسْدِ النَّصِيْرُ
فَقَدْ خَانَتْ جُمُوْعَ الأُسْدِ أُسْدٌ
فَلا تَعْجَبْ ، هِيَ الدُّنْيَاْ تَدُوْرُ
وَمَا دَارَتْ بِنَا الأَقْدَارُ إِلا
لِتَكْتُبَ جُلَّ فَرْحَتِنَاْ سُطُوْرُ
فَكَمْ مِنْ حِيْلَةٍ أَغْنَتْ رَخِيْصَاً
وَكَمْ مِنْ سَاْكِنٍ أَضْحَىْ يَسِيْرُ!
وَكَمْ مِنْ ظَاْلِمٍ أَضْحَىْ عَدُوْلاً
وَكَمْ مُسْتَضْعَفٍ أَمْسَىْ يَجُوْرُ!
فَمَا يَرْجُوْ كَرِيْمٌ فِيْ زَمَاْنٍ
بُغَاْثُ الطَّيْرِ تَخْدِمُهَاْ الصُّقُوْرُ
فَفِيْ زَمَنِيْ عَجَاْئِبُ ، حَيْثُ أَضْحَتْ
تُجَرَّدُ مِنْ مَخَاْلِبِهَاْ النُّسُوْرُ
تَجُوْعُ الأُسْدُ فِيْ زَمَنِيْ ، فَأَضْحَىْ
عَلَىْ الْفِئْرَاْنِ يَقْتَاْتُ الْهَصُوْرُ
لَئِنْ سَمِعَ الْفَرَزْدَقُ دُرَّ شِعْرِيْ
لأَنْصَفَنِيْ ، وَأَنْصَفَنِيْ جَرِيْرُ
بِلا فَخْرٍ أَقُوْلُ مَقَاْلَ شِعْرِيْ
فَكَمْ لَيْلٍ بِشِعْرِيْ يَسْتَنِيْرُ
( تَرَى الرَّجُلَ النَّحِيْفَ فَتَزْدَرِيْهِ )
وَكَمْ فِيْ جُوْدِهِ سُفُنٌ تَسِيْرُ
كِرَاْمُ الْقَوْمِ تَسْكُنُ فِيْ قُبُوْرٍ
وَأَدْنَى النَّاْسِ مَسْكَنُهَا الْقُصُوْرُ
نُبَاْحُ الْكَلْبِ يُطْرِبُ فِيْ زَمَاْنٍ
بَلابِلُهُ بِسَفْحٍ لا تَطِيْرُ
فَلا تَعْجَبْ ، فَكَمْ شَدْوٍ لَهُ فِيْ
نُبَاْحِ الْكَلْبِ شِبْهٌ أَوْ نَظِيْرُ!
وَكَمْ كَلْبٍ تَأَسَّدَ فِيْ زَئِيْرٍ
وَكَمْ كَلْبٍ بِمَمْلَكَةٍ أَمِيْرُ!
وَقُلْ : كَمْ مِنْ أُسُوْدٍ نَاْبِحَاْتٍ
فَيَزْجُرُهَا الزَّمَاْنُ فَلا تَزِيْرُ
بِلا صَحْبٍ أَعِيْشُ ، فَلا صَدِيْقٌ
يُثَبِّتُهُ الزَّمَاْنُ وَلا الدُّهُوْرُ
صَدِيْقُ الْيَوْمِ يُفْزِعُهُ الْوَفَاْءُ
بِشِيْمَةِ غَدْرِهِ دَوْمَاً فَخُوْرُ
وَرِيْحُ الْغَدْرِ نَعْرِفُهُ كَرِيْهَاً
وَفِيْ أَنْفِ اللَّئِيْمِ هُوَ الْعَبِيْرُ
أَيَسْكَرُ كُلُّ عَقْلٍ دُوْنَ خَمْرٍ
وَتَعْجَزُ أَنْ تُسَكِّرَنَا الْخُمُوْرُ؟
وَنُسْجَنُ فِيْ فَلاةٍ دُوْنَ سِجْنٍ
وَحُرُّ الْجِسْمِ فِيْ زَمَنِيْ أَسِيْرُ؟
وَنَرْقُبُ كُلَّ حَاْدِثِ دُوْنَ عَيْنٍ
وَيَنْظُرُ فِيْ مَطَاْلِبِنَاْ الضَّرِيْرُ؟
وَنَأْنَفُ شِعْرَ قَيْسٍ دُوْنَ ذَوْقٍ
وَنَحْوَ الْغَثِّ يَحْدُوْنَا الزَّفِيْرُ؟
فَمَاْ فِيْ حِكْمَةِ الشُّعَرَاْءِ دَوْمَاً
مَنَاْلاً يُرْتَجَىْ ، إِلا النَّذِيْرُ
لَئِنْ زَأَرَتْ ضِعَاْفُ الأُسْدِ فَخْرَاً
فَكَمْ صَوْتٍ يُفَخِّمُهُ الصَّفِيْرُ!
ضِعَاْفُ الإِنْسِ أَكْثَرُهَاْ صُرَاْخَاً
ضِعَاْفُ الإِنْسِ أَكْثَرُهَاْ يَثُوْرُ
فَلا تَعْجَبْ أَخِيْ ، وَاحْمِلْ رُفَاْتِيْ
وَقُلْ دَوْمَاْ : لَقَدْ مَاْتَ الضَّمِيْرُ
تَقَلَّبَ حَاْلُ دَهْرِيْ فَانْتَكَبْنَاْ
وَكَمْ دَهْرٍ تَسَنَّمَهُ الْحَقِيْرُ!
يَذُوْبُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ وَلكِنْ
قُلُوْبُ النَّاْسِ يَمْلَؤُهَاْ النَّكِيْرُ
فَكَمْ ، كَمْ مِنْ قُلُوْبٍ قَاْسِيَاْتٍ
فَلا تَبْلَىْ ، وَقَدْ تَبْلَىْ الصُّخُوْرُ!