رغَّب الله تعالى في التعاون على البر والتقوى، وحثَّ على التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وأمر بالاجتماع على الخير، أو على بعض ألوان الخير وأبوابه.
إن تنسيق المواقف، أو تنظيم الأعمال، كما تفعل الشركات التجارية والمؤسسات الإدارية وغيرها، وتواصل مجموعات متنوعة تتفق في أهدافها وتطلعاتها وميولها ضمن إطار الشريعة العام، أو في حدود المباحات، أو المصالح الدنيوية؛ هو أمر فطري لا حرج فيه، بل هو في العالم سبب للنجاح بتعزيز مؤسسات المجتمع المدني، وتقوية الروابط والنقابات التي تحمي مصالح فئة من الناس، وتقوِّي شوكتهم، دون إضرار بالآخرين.
وليس يجوز أن نحاكم الناس بموجب قوائم، أو نحكم بالخطأ والانحراف على إنسان ما لمجرد أنه مع مجموعة خاصة، منتميًا أو متعاونًا، ولا يُسوَّغ أن نعد مزاجنا أو كرهنا أو اختلافنا مع مجموعة ما سببًا في الإطاحة بهم، أو تجاهل صواباتهم، أو سوء الظن بما يصدر منهم، وكأن مَن ليس معنا فهو ضدنا!
الحساب فردي (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم:93-95].
وليس يحمل أحد وزر غيره، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه، وقد يوجد الإنسان الفاضل ضمن مجموعة مقصِّرة، أو يوجد المفرِّط مع مجموعة فاضلة.
وأكمل الناس وأفضلهم أعفُّهم لسانًا وأصدقهم لهجة، وأبعدهم عن القيل والقال، وأسلمهم من تتبع العثرات والزلَّات، وحشد الأخطاء والمثالب وتصنيفها وتعزيزها، والبدء والإعادة حولها.
لقد قامت جماعات وتكتلات لا تعرف عن نفسها إلا أنها ضد فلان، أو نقيض علان، وانشغلت بعيوب الآخرين -إن كانت عيوبًا- عن إصلاح نفسها، أو الانشغال بالشأن العام.
والتجمعات ليست نواديًا للكملة، بل هي اجتهادات تضم ألوانًا من الناس، فيهم -كما في سائر المسلمين- الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات بإذن اله .
إن من الصدق القول بأن هذه الاختلافات الضارية تستنزف الكثير من المجهود الإسلامي في الكتابة والإعلام والعمل والعلاقة والسياسة، بينما استطاعت أمم أخرى أن تستوعب الخلاف، وتتعامل معه بصورة إيجابية.
فهذه الأحزاب المتطرِّفة، يمينية أو يسارية في الكنيست الإسرائيلي، صارت جزءًا من المجتمع ومن الحكومة أو المعارضة؛ وأصبحت طرفًا أساسيًّا في المعادلة، واستطاع برنامج الدولة المصطنعة أن يستوعب الجميع، وعزَّز هذا شعورهم بالخطر، وأنهم جزيرة معزولة في بحر عربي إسلامي يعد العدة لهم، ويرفض وجودهم ككيان.
وفي الاتحاد الأوروبي وحدة نقدية وجمركية، وتعاون عسكري وأمني وسياسي، وخطط طموحة، مع احترام إرادة كل دولة وكل شعب، وإجراء الاستفتاءات على البرامج والمشاريع.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية تداول رشيد بين الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري، وأريحية عالية بعد ظهور النتائج، ولا أحد يحاسب أحدًا على تصويته ضده، والنظام المؤسسي العريق رغم عيوبه قادر على تجاوز الأخطاء والعثرات، ومعالجة الكوارث، حتى لو كانت بحجم أحداث (11 سبتمبر)، أو كارثة إعصار (كاترينا)، أو ما هو أشد منها، حتى يحين الأجل (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) [الأعراف: 34]، و(لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) [الرعد: 38]!
أممٌ صنعت نظامًا تحتكم إليه في خلافاتها، مسترشدة بالحكمة والتجربة والعمل والتاريخ، وأمة الإسلام جديرة بأن تسترشد بهذا كله، وبأحوال الأمم من حولها، وبكتابها الهادي، ورسولها الحريص.
بَحَثْتُ عَن الأَدْيَانِ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا ... وَجُبْتُ بِلادَ اللهِ غَرْبًا وَمَشْرِقَا
فَلَمْ أَرَ كَالْإِسْلاَمِ أَدْعَى لِأُلْفَةٍ ... وَلا مِثْلَ أَهْلِيهِ أَشَدَّ تَفَرُّقَا!