قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ | وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْهَزَلِ
|
يأبى لى َ الغى َّ قلب لا يميلُ بهِ | عَنْ شِرْعَة ٍ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُّجُلِ
|
أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِمَة ً | عنْ غرة ِ النصرِ ، لا بالبيضِ في الكللِ
|
لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ | فِي لَذَّةِ الصَّحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ
|
كمْ بينَ منتدبٍ يدعو لمكرمة ٍ | وَبَيْنَ مُعْتَكِفٍ يَبْكِي عَلَى طَلَلِ
|
لَوَلا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْخَلْقِ مَا ظَهَرَتْ | مَزِيَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلْيِ وَالْعَطَلِ
|
فانهض إلى صهواتِ المجدِ معتلياً | فالبازُ لمْ يأوِ إلاَّ عاليَ القللِ
|
ودعْ منَ الأمرِ أدناهُ لأبعدهِ | في لجة ِ البحرِ ما يغنى عنِ الوشلِ
|
قدْ يظفرُ الفاتكُ الألوى بحاجتهِ | وَيَقْعُدُ الْعَجْزُ بِالْهَيَّابَة ِ الْوَكَلِ
|
وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ، فَرُبَّ فَتى ً | ألقى بهِ الأمنُ بينَ اليأسِ وَ الوجلِ
|
وَ لا يغرنكَ بشرٌ منْ أخى ملقٍ | فرونقُ الآلِ لا يشفى منَ الغللِ
|
لوْ يعلمُ ما في الناس منْ دخنٍ | لَبَاتَ مِنْ وُدِّ ذِي الْقُرْبَى عَلَى دَخَلِ
|
فَلا تَثِقْ بِوَدَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ | فَالْكُحْلُ أَشْبَهُ فِي الْعَيْنَيْنِ بِالْكَحَلِ
|
وَاخْشَ النَّمِيمَة َ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا | يصليكَ منْ حرهاَ ناراً بلاَ شعلِ
|
كمْ فرية ٍ صدعتْ أركانَ مملكة ٍ | وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ
|
فاقبلْ وصاتي ، وَ لا تصرفكَ لاغية ٌ | عنى ؛ فما كلُّ رامٍ منْ بنى ثعل
|
إني امرؤٌ كفنى حلمي ، وأدبني | كرُّ الجديدينِ منْ ماضٍ وَ مقتبلِ
|
فَمَا سَرَيْتُ قِنَاعَ الْحِلْمِ عَنْ سَفَهٍ | وَلاَ مَسَحْتُ جَبِينَ الْعِزِّ مِنْ خَجَلِ
|
حلبتُ أشطرَ هذا الدهرِ تجربة ً | وَذُقْتُ مَافِيهِ مِن صَابٍ، وَمِنْ عَسَلِ
|
فَمَا وَجَدْتُ عَلَى الأَيَّامِ بَاقِيَة ً | أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ حُرِّيَّة ِ الْعَمَلِ
|
لكننا غرضٌ للشرَّ في زمنٍ | أَهْلُ الْعُقُولِ بِهِ فِي طَاعَة ِ الْخَمَلِ
|
قامتْ بهِ منْ رجالِ السوءِ طائفة ٌ | أدهى على النفسْ منْ بؤسٍ على ثكلِ
|
منْ كلَّ وغدٍ يكادُ الدستُ يدفعهُ | بُغْضاً، وَيَلْفِظُهُ الدِّيوانُ مِنْ مَلَلِ
|
ذَلَّتْ بِهِمْ مِصْرُ بَعْدَ الْعِزِّ، واضْطَرَبَتْ | قواعدُ الملكِ ، حتى ظلَّ في خللِ
|
وَأَصْبَحَتْ دَوْلَة ُ «الْفُسْطَاطِ» خَاضِعَة ً | بَعْدَ الإِباءِ، وَكَانَتْ زَهْرَة َ الدُّوَلِ
|
قومٌ إذا أبصروني مقبلاً وجموا | غَيْظاً، وَأَكْبَادُهُمْ تَنْقَدُّ مِنْ دَغَلِ
|
فَإِنْ يَكُنْ سَاءَهُمْ فَضْلِي فَلا عَجَبٌ | فَالشَّمْسُ وَهيَ ضِيَاءٌ آفَةُ الْمُقَلِ
|
نزهتُ نفسيَ عما يدنيونَ بهِ | وَ نخلة ُ الروضِ تأبى شيمة َ الجعلِ
|
بئسَ العشيرُ ، وبئستْ مصرُ منْ بلدٍ | أضحتْ مناخاً لأهلِ الزورِ وَ الخطلِ
|
أرضٌ تأثلَ فيها الظلمُ ، وانقذفتْ | صواعقُ الغدرِ بينَ السهلِ وَ الجبلِ
|
وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ | لَمْ يَخْطُ فِيهَا امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى زَلَلِ
|
لَمْ أَدْرِ مَا حَلَّ بِالأَبْطَالِ مِنْ خَوَرٍ | بَعْدَ الْمِراسِ، وَبِالأَسْيَافِ مِنْ فَلَلِ
|
أَصَوَّحَتْ شَجَرَاتُ الْمَجْدِ، أَمْ نَضَبَتْ | غدرُ الحمية ِ حتى ليسَ منْ رجلِ ؟
|
لاَ يدفعونَ يداعنهمْ ، وَ لوْ بلغتْ | مسَّ العفافة ِ منْ جبنٍ ، وَ منْ خزلِ
|
خَافُوا الْمَنِيَّة َ، فَاحْتَالُوا، وَمَا عَلِمُوا | أنَّ المنية َ لاَ ترتدُّ بالحيلِ
|
فَفِيمَ يَتَّهِمُ الإِنْسَانُ خالِقَهُ | وَ كلُّ نفسٍ لها قيدٌ منَ الأجلِ ؟
|
هيهاتَ يلقى الفتى أمناً يلدُّ بهِ | مَا لَمْ يَخُضْ نَحْوَهُ بَحْراً مِنَ الْوَهَلِ
|
فَمَا لَكُمْ لاَ تَعَافُ الضَّيْمَ أَنْفُسُكُمْ | وَلاَ تَزُولُ غَوَاشِيكُمْ مِنَ الْكَسَلِ؟
|
وَتِلْكَ مِصْرُ الَّتِي أَفْنَى الْجِلاَدُ بِهَا | لَفِيفَ أَسْلافِكُمْ فِي الأَعْصُرِ الأُوَلِ
|
قومٌ أقروا عمادَ الحقَّ وامتلكوا | أَزِمَّة َ الْخَلْقِ مِنْ حَافٍ وَمُنْتَعِلِ
|
جَنَوْا ثِمَارَ الْعُلاَ بِالْبِيضِ، وَاقْتَطَفُوا | منْ بينِ شوكِ العوالي زهرة َ الأملِ
|
فَأَصْبَحَتْ مِصْرُ تَزْهُو بَعْدَ كُدْرَتِهَا | فِي يَانِعٍ مِنْ أَسَاكِيبِ النَّدَى خَضِلِ
|
لَمْ تَنْبُتِ الأَرْضُ إِلاَّ بَعْدَمَا اخْتَمَرَتْ | أقطارها بدمِ الأعناقِ وَ القللِ
|
شَنُّوا بِهَا غَارَة ً أَلْقَتْ بِرَوْعَتِهَا | أمناً يولفُ بينَ الذئبِ وَ الحملِ
|
حَتَّى إِذَا أَصْبَحَتْ فِي مَعْقِلٍ أَشِبٍ | يردُّ عنها يدَ العادي منَ المللِ
|
أخنى الزمانُ على فرسانها ، فغدتْ | منْ بعدِ منعتها مطروقة َ السبلِ
|
فأيَّ عارٍ جلبتمْ بالخمولِ على | ما شادهُ السيفُ منْ فخرٍ على زحلِ
|
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ | فَإِنَّمَا هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَمَلِ
|
فبادروا الأمرَ قبلَ الفوتِ ، وانتزعوا | شِكَالَة َ الرَّيْثِ، فَالدُّنْيَا مَعَ الْعَجَلِ
|
وَ قلدوا أمركمْ شهماً أخا ثقة ٍ | يكونُ رداءً لكمْ في الحادثِ الجللِ
|
ماضي البصيرة ِ ، غلابٌ ، إذا اشتبهتْ | مسالكُ الرأي صادَ البازَ بالحجلِ
|
إنْ قالَ برَّ ، وَ إنْ ناداهُ منتصرٌ | لَبَّى ، وإِنْ هَمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِلا نَفَلِ
|
يجلو البديهة َ باللفظِ الوجيزِ إذا | عزَّ الخطابُ ، وَ طاشتْ أسهمُ الجدلِ
|
وَلاَ تَلَجُّوا إِذَا مَا الرَّأْيُ لاَحَ لَكُمْ | إنَّ اللجاجة َ مدعاة ٌ إلى الفشلِ
|
قدْ يدركُ المرءُ بالتدبيرِ ما عجزتْ | عَنْهُ الْكُمَاة ُ، وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى بَطَلِ
|
هَيْهَاتَ، مَا النَّصْرُ فِي حَدِّ الأَسِنَّة ِ، بَلْ | بقوة ِ الرأي تمضي شوكة ُ الأسلِ
|
وَطَالِبُوا بِحُقُوقٍ أَصْبَحَتْ غَرَضاً | لِكُلِّ مُنْتَزِعٍ سَهْماً، وَمُخْتَتِلِ
|
وَ لاَ تخافوا نكالاً فيهٍ منشوكمْ | فالحوتُ في اليمَّ لا يخشى منَ البللِ
|
عيشُ الفتى في فناءِ الذلَّ منقصة ٌ | وَ الموتُ في العز فخرُ السادة ِ النبلِ
|
لا تتركوا الجدَّ أوْ يبدو اليقينُ لكمْ | فالجدُّ مفتاحُ بابِ المطلبِ العضلِ
|
طوراً عراكاً ، وأحيانا مياسرة ً | رياضة ُ المهرِ بينَ العنفِ وَ المهلِ
|
حتى تعودَ سماءُ الأمنِ ضاحية ً | وَيَرْفُلَ الْعَدْلُ فِي ضَافٍ مِنَ الْحُلَلِ
|
هذِي نَصِيحَة ُ مَنْ لاَ يَبْتَغِي بَدَلاً | بِكُمْ، وهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ؟
|
أَسْهَرْتُ جَفْنِي لَكُمْ فِي نَظْمِ قَافِيَة ٍ | مَا إِنْ لَهَا فِي قَدِيمِ الشِّعْرِ مِنْ مَثَلِ
|
كالبرقِ في عجلٍ ، والرعدِ في زجلٍ | وَالْغَيثِ فِي هَلَلٍ، وَالسَّيْلِ في هَمَلِ
|
غَرَّاءُ، تَعْلَقُهَا الأَسْمَاع مِنْ طَرَبٍ | وَتَسْتَطِيرُ بِهَا الأَلْبَابُ مِنْ جَذَلِ
|
حَوْلِيَّة ٌ، صَاغَهَا فكْرٌ أَقَرَّ لهُ | بِالْمُعْجِزَاتِ قَبِيلُ الإِنْسِ وَالْخَبَلِ
|
تلوحُ أبياتها شطرينِ في نسقٍ | كالمرفية ِ قدْ سلتْ منَ الخللِ
|
إِنْ أَخْلَقَتْ جِدَّة ُ الأَشْعَارِ أَثَّلَهَا | لَفْظٌ أَصِيلٌ، ومَعْنى ً غَيْرُ مُنْتَحَلِ
|
تفنى النفوسُ ، وَ تبقى وَ هيَ ناضرة ٌ | على الدُّهُورِ بَقَاءَ السَّبْعَة ِ الطُوَلِ |