السلام يحيل أعداء الماضي الى أصدقاء

السلام يحيل أعداء الماضي الى أصدقاء




27/11/2012 12:00 صباحا

ترجمة– بهاء سلمان
هذه قصة علاقة صداقة مميزة بين طيار حربي أميركي سابق والرجل الذي أصاب طائرته الشبح خلال عمليات لحلف الناتو في صربيا.أن يتقاسم المرء الخبز مع العدو، شيء محتمل الحصول، ولكن أن يقوما بصناعته سوية، فهذه خطوة لا يقدم الأعداء عادة على فعلها، لكن هذا ما حصل تماما في مطبخ زالتون داني. فبعد أن كان زالتون فيما مضى قائدا لوحدة يوغوسلافية متواضعة للصواريخ المضادة للطائرات وبرتبة عقيد، أصبح الآن يدير مخبزا ناجحا وقد استبدل أساليب التمويه العسكرية بمئزر الخبازين.الأمر الأكثر إثارة وتميزا هو أن من يقف بجانبه ويقوم بعجن العجينة طيار القوة الجوية الأميركية السابق ديل زيلكو.
كان الرجلان في جانبين متنازعين في العام 1999، عندما ضربت غارات الناتو العاصمة بلغراد بالصواريخ، وكان الخصمان المباشران في واحدة من أكثر الحوادث المميزة لعمليات قوات الحلف.
فقد طار ديل زيلكو بطائرة الشبح المقاتلة الحربية المتطورة جدا التي لا يمكن التقاطها أو مشاهدتها على شبكة رادار العدو، لكن في ليلة 27 اذار 1999، لم يكن ديل مرتاحا، حيث أشارت الظروف الجوية إلى عدم حصول مرافقة معتادة لطائرات "تتجول بدون علم العدو" وترافق الضغط الالكتروني، أو طائرات اف 16 التي تطلق صواريخ مضادة للرادارات.
يقول ديل: "لم يخالجني شعور بهذه القوة مطلقا من قبل في تلك الليلة، شعور بمهمة لطائرتي اف 117 ثم يتم ضربها وإسقاطها في تلك الليلة، ولم أُصب بالدهشة عندما حصل ذلك وأسقطت طائرتي."

رمية رائعة

كان لدى زولتان داني مشاكله الخاصة، فقد كان يقود وحدة عسكرية متدنية التجهيزات وعرضة لهجمات طائرات اف 16، غير إن رجاله لم تنقصهم المعنويات أو المهارات الفنية.
كان يعمل في كل ليلة على تحريك وحدته من مكان الى آخر، مشغلا معداته ليطلق صواريخه خلال 20 ثانية لتجنب انتباه الصواريخ المضادة للرادارات.
وبتذكر عبقري الألكترونيات الصربي نيقولا تيسلا كمصدر للإلهام، قام زولتان بتحوير معداته لكي تعمل خارج نطاق الأطوال الموجية المعتادة. وربما كان هذا التحوير هو ما سمح له بكشف طائرة زيلكو المقاتلة الشبح. يقول زولتان: "عندما أصاب صاروخنا الطائرة، غمرنا شعور رائع جدا، مثل تسجيل هدف الفوز في مباراة لكرة القدم."
كان منظور الطيار الاميركي لما حصل مختلفا بعض الشيء، إلا أنه بمجرد قفزه من طائرته التي لم يعد بمقدوره السيطرة عليها في تلك اللحظة، راودته على نحو مثير للدهشة بعض الأفكار. "فكرت في الرجل الصربي المشغل لصاروخ أرض جو الذي اسقط طائرتي، متخيلا إمكانية شرب القهوة والحديث معه، لأقول له: "لقد كانت حقا رمية رائعة" وتملكني هذا الاحترام الضخم له وللشعب الصربي."

رسالة سلام

أتى مقترح اللقاء أساسا من أتيلا، ابن زولتان، الذي لاحظ صورا لزيلوزك على شبكة الانترنت، ليأخذ صانع الأفلام الوثائقية الصربي زيلجكو ميركوفيتش مهمة إجراء اللقاء على عاتقه، الذي كان في حينها يكمل فلما حول قائد وحدة الصواريخ السابق تحت عنوان "الثانية الحادية والعشرون".
قام زيلجكو بالإتصال بالطيار المتقاعد حاليا عبر القوة الجوية الأميركية، ولقي الإتصال بديل زيلكو كل الترحيب منه.
ويقول: "بمجرد قراءتي لفكرة التقاء الرجل الذي أسقطني، كان رد فعلي الفوري هو نعم، بالتأكيد، وأصبحت مهووسا بتلك الفكرة. شعرت بوجوب الإتصال بعمق وبشكل شخصي مع هذا الرجل ومع الشعب الصربي، فقد أصبحت المهمة عاطفية بالنسبة لي."
تلا طرح فكرة اللقاء سنوات من المراسلات، ويقول المحاربان السابقان بانهما يتشاركان بقصصهما، ومشاعرهما وأفكارهما مع تحضيرهما لمواجهة مباشرة وجها لوجه.
وأخيرا، حصلت تلك المواجهة في العام الماضي، يوجود كاميرا زيلجكو ميركوفيتش أيضا، حيث أطلق الأخير على فلمه الوثائقي الخاص بالعلاقة بين ديل وزولتان "اللقاء الثاني"، ويعتقد بأن قصته وثيقة الصلة بما يجري في كل العالم.
يقول زيلجكو: "تشترك عوائلنا الثلاث، أنا وديل زيلوك وزولتان، بنفس القيم حول الإيمان بأهمية العائلة والإيمان بالسلام. اعتقدنا كلنا جازمين بامتلاكنا لحق إرسال رسالة أمل وسلام من التي يمكن قبولها على نحو عالمي." غير أن العلاقة بين العدوين القديمين تخطت حدود الفلم، فقد تبادلا الزيارات المنزلية فيما بينهما، ونشأت علاقة صداقة حميمة أيضا بين زوجتيهما وأولادهما.
وأتى ثلاثة من أفراد عائلة ديل إلى صربيا لمدة إسبوع لحضور العرض الأول "للقاء الثاني"، حيث نزلوا في بيت زولتان في منطقة كوفين القريبة من العاصمة بلغراد.
مدى التعلق بين العائلتين والرفقة الطيبة أثار الدهشة، فأولاد زولتان الكبار، داكنو الشعر تصرفوا كأقارب كبار لأولاد ديل زيلكو الصغار شقراويي الشعر، في الوقت نفسه الذي كان فيه الابوان يسترخيان بإنشغالهما في الطبخ وإعداد القهوة.
العنصر الانساني

ومع ذلك، فقد ابرزت علاقة الصداقة بعض الألغاز الفلسفية المخادعة، وخصوصا بالنسبة لزوليك، الذي ذهب أول مرة إلى صربيا في حرب، لكنه عاد ثانية لإقامة علاقة صداقة، فيقول: "سألني الجمهور في دار السينما ببلغراد 'بعد ان نشأت علاقة حميمية شخصية بين العائلتين، هل يمكن ان تعود بآلة قتال إلى صربيا؟'. كان ردي هو النفي بكل تأكيد، فهذا الأمر سيكون مستحيلا، فلا يمكن للمرء أن يزيل العنصر الإنساني من العلاقة."
ويأمل الطرفان بان ترسل قصتهما رسالة تسامح وتفاهم إلى العالم.
وبإنبثاقها من عناق من نوع آخر مع الرجل الذي قصف بلاده لكنه يشير إليه الآن بالأخ، فإن زولتان داني فرح بظهوره كمثال. يقول زولتان: "لقد وجدنا حلا لهذه المشكلة، ونحن نوضح للناس الآخرين كيف يتم فعل ذلك. نحن نقول للناس بأن السلام أفضل بكثير من الحرب. ويكمن الأمر الأكثر أهمية في كوننا قد تواصلنا وأصبحنا أصدقاء حميميين، نتبادل المشاعر والعواطف." قال زولتان مبتسما، وهو يرمق الفرن بنظره، وأضاف:
"وبالاضافة إلى كعكة التفاح، نحن نحضر لكعكة الشوكولاته."
غاي لاوني/ عن بي بي سي البريطانية